أتهجوه ولست له بكفء … فشر كما لخير كما الفداء «١»
فإن قلت: كيف خولف بين حرفى الجرّ الداخلين على الحق والضلال؟ قلت: لأن صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك فيه لا يدرى أين يتوجه. وفي قراءة أبىّ: وإنا أو إياكم إما على هدى أو في ضلال مبين.
سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٥ الى ٢٦
قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦)
هذا أدخل في الإنصاف وأبلغ فيه من الأوّل، حيث أسند الإجرام إلى المخاطبين والعمل إلى المخاطبين، وإن أراد بالإجرام: الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن، وبالعمل: الكفر والمعاصي العظام «٢» . وفتح الله بينهم: وهو حكمه وفصله: أنه يدخل هؤلاء الجنة وأولئك النار.
سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٧
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)
فإن قلت: ما معنى قوله أَرُونِيَ وكان يراهم ويعرفهم؟ قلت: أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله، وأن يقايس على أعينهم بينه وبين أصنامهم ليطلعهم على إحالة القياس إليه والإشراك به. وكَلَّا ردع لهم عن مذهبهم بعد ما كسده بإبطال المقايسة، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بعد ما حجهم، وقد نبه على تفاحش
(١) . تقدم شرح هذا الشاهد ضمن أبيات بالجزء الثاني صفحة ٥٦٣ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢) . قال محمود: «وهذا القول أدخل في الانصاف من الأول، حيث أسند الاجرام إلى النفس وأراد به الزلات والصغائر التي لا يخلو عنها مؤمن، وأسند العمل إلى المخاطبين وأراد به الكفر والمعاصي والكبائر» قال أحمد: فعبر عن الهفوات بما يعبر به عن العظائم، وعن العظائم بما يعبر به عن الهفوات، التزاما للانصاف، وزيادة على ذلك أنه ذكر الاجرام المنسوب إلى النفس بصيغة الماضي الذي يعطى تحقيق المعنى، وعن العمل المنسوب إلى الخصم بما لا يعطى ذلك، والله أعلم.