في خسف البيداء، وذلك أنّ ثمانين ألفا يغزون الكعبة ليخربوها، فإذا دخلوا البيداء خسف بهم فَلا فَوْتَ فلا يفوتون الله ولا يسبقونه. وقرئ: فلا فوت. والأخذ من مكان قريب: من الموقف إلى النار إذا بعثوا. أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا. أو من صحراء بدر إلى القليب. أو من تحت أقدامهم إذا خسف بهم. فإن قلت: علام عطف قوله وَأُخِذُوا؟
قلت: فيه وجهان: العطف على فزعوا، أى: فزعوا وأخذوا فلا فوت لهم. أو على لا فوت، على معنى: إذ فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا. وقرئ: وأخذ، وهو معطوف على محل لا فوت.
ومعناه: فلا فوت هناك، وهناك أخذ.
سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٥٢ الى ٥٤
وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)
آمَنَّا بِهِ بمحمد صلى الله عليه وسلم لمرور ذكره في قوله ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ: والتناوش والتناول: أخوان إلا أنّ التناوش تناول سهل لشيء قريب، يقال ناشه ينوشه، وتناوشه القوم. ويقال: تناوشوا في الحرب: ناش بعضهم بعضا. وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت، كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا: مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة «١» كما يتناوله الآخر من قيس ذراع تناولا سهلا لا تعب فيه وقرئ التناؤش: همزت الواو المضمومة كما همزت في أجؤه وأدؤر وعن أبى عمرو التناؤش بالهمز التناول من بعد من قولهم: نأشت إذا أبطأت وتأخرت. ومنه البيت:
تمنّى نئيشا أن يكون أطاعنى «٢»
(١) . قوله «أن يتناول الشيء من غلوة» في الصحاح: غلوت بالسهم غلوا، إذا رميت به أبعد ما تقدر عليه، والغلوة: الغاية مقدار رمية، وفيه: يقال بينهما قيس رمح وقاس رمح، أى: قدر رمح. (ع)
(٢) .
ومولى عصاني واستبد برأيه … كما لم يطع فيما أشار قصير
فلما رأى ما غب أمرى وأمره … وناءت بأعجاز الأمور صدور
تمنى نئيشا أن يكون أطاعنى … وقد حدثت بعد الأمور أمور
لنهشل بن حرى» واستبد: انفرد واستغنى بأمره. وقصير: علم رجل كان حسن الرأى، وهو فاعل أشار.
ومفعول «يطع» محذوف لدلالة المذكور عليه. أو لأن الفعل منزل منزلة اللازم، والأوجه رواية لم يطع مبنيا للمجهول. وقصير: نائب الفاعل، وضميره فاعل أشار، وبالعكس على الخلاف في باب التنازع. رغب الأمر:
بلغ فيه بالكسر عاقبته. وناء- بالمد-: أصله نأى، فقلب: أى بعد، وشبه الأمر بشيء له صدر وعجز على طريق المكنية وإثباتهما له تخييل، كأن أوائل الأمور مضت بأواخرها، فلما مضت الأوائل ظهرت الأواخر بعد خفائها. ويقال: نأش بالهمز إذا تأخر. ونئيشا: نصب على الظرف، أى أخيرا، أى: تمنى في آخر الأمر أن يكون أطاعنى في نصيحتي لما رأى عاقبة أمرى حسنة وعاقبة أمره سيئة، والحال أنه قد حدثت بعد الأمور السهلة أمور صعبة كانت خفية أوجبت تمنيه، فهي حال مبينة للمراد من الظرف. أو حدثت بعد الأمور السهلة التي كان يمكنه معها مطاوعتى أمور صعبة تمنعه من التخلص من ربكته، كما نصحته بذلك أولا فلم يسمع ومضى على رأيه.