قال السحاب. قال: فالجاريات يسرا؟ قال: الفلك. قال فالمقسمات أمرا؟ قال: الملائكة «١» وكذا عن ابن عباس. وعن الحسن فَالْمُقَسِّماتِ السحاب، يقسم الله بها أرزاق العباد، وقد حملت على الكواكب السبعة، ويجوز أن يراد: الرياح لا غير، لأنها تنشئ السحاب وتقله وتصرفه، وتجرى في الجوّ جريا سهلا، وتقسم الأمطار بتصريف السحاب. فإن قلت: ما معنى الفاء على التفسيرين؟
قلت: أمّا على الأوّل فمعنى التعقيب فيها أنه تعالى أقسم بالرياح، فبالسحاب الذي تسوقه، فبالفلك التي تجريها بهبوبها، فبالملائكة التي تقسم الأرزاق بإذن الله من الأمطار وتجارات البحر ومنافعه. وأمّا على الثاني، فلأنها تبتدئ بالهبوب «٢» ، فتذرو التراب والحصباء، فتنقل السحاب، فتجرى في الجوّ باسطة له فتقسم المطر إِنَّ ما تُوعَدُونَ جواب القسم، وما موصولة أو مصدرية، والموعود: البعث. ووعد صادق: كعيشة راضية. والدين: الجزاء، والواقع: الحاصل.
سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٧ الى ٩
وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)
الْحُبُكِ الطرائق، مثل حبك الرمل والماء: إذا ضربته الريح، وكذلك حبك الشعر:
آثار تثنيه وتكسره. قال زهير:
مكلّل بأصول النّجم تنسجه … ريح خريق لضاحى مائه حبك «٣»
(١) . أخرجه الحاكم والطبري. وغيرهما من رواية أبى الطفيل قال: رأيت على بن أبى طالب رضى الله عنه على المنبر فذكره وزاد فيه: قال «فمن الذين بدلوا نعمة الله كفرا؟ قال: هم منافقو قريش» وفي الباب عن عمر مرفوعا أخرجه البزار، وفيه قصة منبع، وقال ابن أبى سيرة: لين الحديث، وسعيد بن سلام ليس من أصحاب الحديث اه ولم ينفرد به سعيد فقد رواه ابن مردويه من طريق عبيد بن موسى عن أبى سبرة أيضا.
(٢) . قوله «فلأنها تبتدئ بالهبوب» لعله: فإنها. (ع)
(٣) .
حتى استغاثت بماء لا رشاء له … من الأباطح في حافاته البرك
مكلل بأصول النجم تنسجه … ريح خريق لضاحى مائه حبك
كما استغاث بسيء فز غيطلة … خاف العيون ولم ينظر به الحشك
لزهير: يصف قطاة فرت من صفر حتى استغاثت منه بماء قريب لا رشاء له، أى: لا حبل يستقى به منه لعدم احتياجه إليه من الأباطح، أى: في الأمكنة المتسعة المستوية، فان أراد من الماء مكانه، فمن بيانية، في حاماته أى جوانبه البرك جمع بركة، كرطب ورطبة نوع من طير الماء يكلل ذلك الماء بأصول النجم، أى: النبات الذي لا ساق له. وروى بعميم النجم، أى: طويله، تنسجه: أى تثنيه تثنيا منتظما كالنسج، فهو استعارة مصرحة.
والخريق- بالقاف-: الباردة والشديدة السير. والضاحي: الظاهر. والحبك: الطريق في وجه الماء إذا ضربته الريح، جمع حباك أو حبيكة. والسيئ بالفتح وبالكسر: اللبن في طرف الثدي. والفز: ولد البقرة الوحشية.
والغيطلة: الشجر الملتف، فاضافة الفز إليها لأنه فيها. وقيل: هي البقرة الوحشية. والعيون هنا: رقباء الصيد وجواسيسه. وحشكت الدرة باللبن حشكا وحشوكا: امتلأت به. وحرك الحشك هنا للضرورة، أى: لم ينتظر به امتلاء الدرة، ولعمري نعمت هذه الاستغاثة. وفيه دلالة على أنها كانت ظمآنة.