سَبْعاً سبع سماوات شِداداً جمع شديدة، يعنى: محكمة قوية الخلق لا يؤثر فيها مرور الأزمان وَهَّاجاً متلألئا وقادا، يعنى: الشمس: وتوهجت النار: إذا تلمظت «١» فتوهجت بضوئها وحرها. المعصرات: السحائب إذا أعصرت، أى: شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر، كقولك: أجز الزرع، إذا حان له أن يجز. ومنه: أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض.
وقرأ عكرمة: بالمعصرات، وفيه وجهان: أن تراد الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، وأن تراد السحائب، لأنه إذا كان الإنزال منها فهو بها، كما تقول: أعطى من يده درهما، وأعطى بيده. وعن مجاهد: المعصرات الرياح ذوات الأعاصير. وعن الحسن وقتادة: هي السماوات.
وتأويله: أن الماء ينزل من السماء إلى السحاب، فكأنّ السماوات يعصرن، أى: يحملن على العصر ويمكنّ منه. فإن قلت: فما وجه من قرأ مِنَ الْمُعْصِراتِ وفسرها بالرياح ذوات الأعاصير، والمطر لا ينزل من الرياح؟ قلت: الرياح هي التي تنشئ السحاب وتدرّ أخلافه «٢» ، فصحّ أن تجعل مبدأ للإنزال وقد جاء أنّ الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب، فإن صحّ ذلك فالإنزال منها ظاهر. فإن قلت: ذكر ابن كيسان «٣» أنه جعل المعصرات بمعنى المغيثات، والعاصر هو المغيث لا المعصر. يقال: عصره فاعتصر. قلت:
وجهه أن يريد اللاتي أعصرن، أى حان لها أن تعصر، أى: تغيث ثَجَّاجاً منصبا بكثرة. يقال: ثجه وثج نفسه وفي الحديث: «أفضل الحج: العجّ والثجّ» «٤» أى رفع الصوت بالتلبية، وصب دماء الهدى. وكان ابن عباس مثجا يسبل غربا، يعنى يثج الكلام ثجا في خطبته. وقرأ الأعرج:
ثجاجا. ومثاجج الماء: مصابه، والماء ينثجج في الوادي حَبًّا وَنَباتاً يريد ما يتقوّت من الحنطة والشعير وما يعتلف من التبن والحشيش، كما قال كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ،
(١) . قوله «وتوهجت النار إذا تلمظت» في الصحاح «توهجت النار» توقدت. وتوهج الجوهر: تلألأ، فقوله: فتوهجت … الخ: يعنى جمعت بين التلألؤ بضوئها، والتوقد بحرها، فتدير. (ع)
(٢) . قوله «وتدر أخلافه» واحدها خلف: وهو ثدي الناقة، كما يفيده الصحاح. (ع)
(٣) . قوله «فان قلت ذكر ابن كيسان» لعله «ذكر عن ابن كيسان» . (ع)
(٤) . أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر بمعناه. وضعفه إبراهيم بن يزيد الخرزي. وأخرجه هو وابن ماجة من روآية محمد بن المنكدر، عن عبد الرحمن ابن يربوع عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه مرفوعا نحوه.
وقال لم يسمع ابن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع.