حاتم، قال أبو الفتح: وقرأ الحسن والزبيدي «بين المرّ» بفتح الميم وشد الراء المكسورة، وتُحْشَرُونَ أي تبعثون يوم القيامة، وروي عن طريق مالك بن أنس والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا أبيّ بن كعب وهو في الصلاة فلم يجب وأسرع في بقية صلاته، فلما جاءه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما سمعت فيما يوحى إلي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ فقال أبيّ: لا جرم يا رسول الله لا تدعوني أبدا إلا أجبتك، الحديث بطوله واختلاف ألفاظه، وفي البخاري ومسلم أن ذلك وقع مع أبي سعيد بن المعلى، وروي أنه وقع نحوه مع حذيفة بن اليمان في غزوة الخندق.
قوله عز وجل:
سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٥ الى ٢٦
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)
هذه الآية تحتمل تأويلات، أسبقها إلى النفس أن يريد الله أن يحذر جميع المؤمنين من فتنة إن أصابت لم تخص الظلمة فقط، بل تصيب الكل من ظالم وبريء، وهذا التأويل تأول فيها الزبير بن العوام رضي الله عنه، فإنه قال يوم الجمل وما علمت أنّا أردنا بهذه الآية إلا اليوم، وما كنت أظنها إلا فيمن خوطب بها ذلك الوقت، وكذلك تأول الحسن البصري، فإنه قال: هذه الآية في علي وعمار وطلحة والزبير، وكذلك تأول ابن عباس، فإنه قال: أمر الله المؤمنين في هذه الآية أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب، وبينه القتبي فيما ذكر مكي عنه بيانا شافيا.
قال القاضي أبو محمد: فيجيء قوله لا تُصِيبَنَّ على هذا التأويل صفة ل فِتْنَةً، فكان الواجب إذا قدرنا ذلك أن يكون اللفظ لا تصيب وتلطف لدخول النون الثقيلة في الخبر عن الفتنة فقال الزجّاج: زعم بعض النحويين أن الكلام جزاء فيه طرق من النهي، قال ومثله قوله تعالى: ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ النمل: ١٨ فالمعنى أن تدخلوا لا يحطمنكم فكذلك هذا إن تتقوا لا تصيبن، وقال قوم: هو خبر بمعنى الجزاء فلذلك أمكن دخول النون، وقال المهدوي: وقيل هو جواب قسم مقدر تقديره واتقوا فتنة لا تصيبن، ودخلت النون مع لا حملا على دخولها مع اللام فقط.
قال القاضي أبو محمد: وهذا في القول تكره، لأن جواب القسم إذا دخلته «لا» أو كان منفيا في الجملة لم تدخل النون، وإذا كان موجبا دخلته اللام والنون الشديدة كقوله والله لا يقوم زيد والله ليقومن زيد، هذا هو قانون الباب ولكن معنى هذه الآية يستقيم مع التكره الذي ذكرناه والتأويل الآخر في الآية هو أن يكون قوله وَاتَّقُوا فِتْنَةً خطابا عاما لجميع المؤمنين مستقلا بنفسه تم الكلام عنده ثم ابتدأ نهي الظلمة خاصة عن التعرض للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة وأخرج النهي على جهة المخاطبة للفتنة فهو نهي محول.