قوله عز وجل:
سورة هود (١١) : الآيات ١١٦ الى ١١٧
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧)
لولا هي التي للتحضيض- لكن يقترن بها هنا معنى التفجع والتأسف الذي ينبغي أن يقع من البشر على هذه الأمم التي لم تهتد، وهذا نحو قوله: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ يس: ٣٠ ، والْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ هم قوم نوح وعاد وثمود ومن تقدم ذكره، والقرن من الناس: المقترنون في زمان طويل أكثره- فيما حد الناس- مائة سنة، وقيل ثمانون وقيل غير ذلك إلى ثلاثين سنة والأول أرجح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيتكم ليلتكم هذه فإن إلى رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» .
قال ابن عمر: يريد أنها تخرم ذلك القرن وبَقِيَّةٍ هنا يراد بها النظر والعقل والحزم والثبوت في الدين، وإنما قيل: بَقِيَّةٍ لأن الشرائع والدول ونحوها- قوتها في أولها ثم لا تزال تضعف فمن ثبت في وقت الضعف فهو بقية الصدر الأول.
وقرأت فرقة: «بقية» بتخفيف الياء وهو رد فعيلة إلى فعلة، وقرأ أبو جعفر وشيبة «بقية» بضم الباء وسكون القاف على وزن فعلة.
والْفَسادِ فِي الْأَرْضِ هو الكفر وما اقترن به من المعاصي، وهذه الآية فيها تنبيه لأمة محمد وحض على تغيير المنكر والنهي عن الفساد ثم استثنى الله تعالى القوم الذين نجاهم مع أنبيائهم وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم. وقَلِيلًا نصب على الاستثناء وهو منقطع عند سيبويه، والكلام عنده موجب، وغيره يراه منفيا من حيث معناه أنه لم يكن فيهم أولو بقية.
وقرأ جمهور الناس «واتبع» على بناء الفعل للفاعل، وقرأ حفص بن محمد: «واتبع» على بنائه للمفعول، ورويت عن أبي عمرو.
وما أُتْرِفُوا فِيهِ أي عاقبة ما نعموا به- على بناء الفعل للمفعول- والمترف: المنعم الذي شغلته ترفته عن الحق حتى هلك ومنه قول الشاعر:
تحيي رؤوس المترفين الصداد ... إلى أمير المؤمنين الممتاد
يريد المسئول، يقال ماده: إذا سأله. وقوله: بِظُلْمٍ، يحتمل أن يريد بظلم منه لهم- تعالى عن ذلك- قال الطبري: ويحتمل أن يريد: بشرك منهم، وهم مصلحون في أعمالهم وسيرهم، وعدل بعضهم في بعض، أي أنهم لا بد من معصية تقترن بكفرهم.