ونزع بهذه الآية من يرى الحكم بالأمارة، من العلماء، فإنها معتمدهم، ويُوسُفُ في قوله:
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا منادى، قاله ابن عباس، ناداه الشاهد، وهو الرجل الذي كان مع العزيز، وأَعْرِضْ عَنْ هذا معناه: عن الكلام به، أي اكتمل ولا تتحدث به ثم رجع إليها فقال: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ أي استغفري زوجك وسيدك، وقال: مِنَ الْخاطِئِينَ ولم يقل: من الخاطئات لأن الخاطئين أعم، وهو من: خطىء يخطأ خطئا وخطأ، ومنه قول الشاعر أوس بن غلفاء : الوافر
لعمرك إنما خطئي وصوبي ... عليّ وإنما أتلفت مالي
وينشد بيت أمية بن أبي الصلت: الوافر
عبادك يخطئون وأنت رب ... بكفيك المنايا والحتوم
قوله عز وجل:
سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٠ الى ٣١
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)
ذكر الفعل المسند إلى «النسوة» لتذكير اسم الجمع ونِسْوَةٌ جمع قلة لا واحد له من لفظه، وجمع التكثير نساء، ونِسْوَةٌ فعلة، وهو أحد الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد، وقد نظمها القائل ببيت شعر: البسيط
بأفعل وبأفعال وأفعلة ... وفعلة يعرف الأدنى من العدد
ويروى أن هؤلاء النسوة كن أربعا: امرأة خبازة، وامرأة ساقية، وامرأة بوابة، وامرأة سجانة.
والْعَزِيزِ: الملك ومنه قول الشاعر: الرمل
درة غاص عليها تاجر ... جلبت عند عزيز يوم طل
و «الفتى» : الغلام، وعرفه في المملوك- وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي» ، ولكنه قد يقال في غير المملوك، ومنه إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ الكهف: ٦٠ وأصل «الفتى» في اللغة الشاب، ولكن لما كان جل الخدمة شبابا استعير لهم اسم الفتى. وشَغَفَها معناه: بلغ حتى صار من قلبها موضع الشغاف، وهو على أكثر القول غلاف من أغشية القلب، وقيل: «الشغاف» :
سويداء القلب، وقيل: الشغاف: داء يصل إلى القلب.
وقرأ أبو رجاء والأعرج وعلي بن أبي طالب والحسن بخلاف ويحيى بن يعمر وقتادة بخلاف وثابت وعوف ومجاهد وغيرهم: «قد شعفها» بالعين غير منقوطة، ولذلك وجهان: