التزموها له في قولهم: وَإِنَّا لَفاعِلُونَ، وأراد يوسف عليه السلام المبالغة في استمالتهم بأن رد مال كل واحد منهم في رحله بين طعامه، وأمر بذلك فتيانه.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: «لفتيته» وقرأ حمزة والكسائي: «لفتيانه» ، واختلف عن عاصم، ففتيان للكثرة- على مراعاة المأمورين- وفتية للقلة- على مراعاة المتناولين وهم الخدمة- ويكون هذا الوصف للحر والعبد. وفي مصحف ابن مسعود: «وقال لفتيانه» وهو يكايلهم.
وقوله لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها يريد: لعلهم يعرفون لها يدا، أو تكرمة يرون حقها، فيرغبون فينا، فلعلهم يرجعون حينئذ وأما ميز البضاعة فلا يقال فيه: لعل، وقيل: قصد يوسف برد البضاعة أن يتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن فيرجعوا لدفع الثمن، وهذا ضعيف من وجوه، وسرورهم بالبضاعة وقولهم: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا يوسف: ٦٥ يكشف أن يوسف لم يقصد هذا وإنما قصد أن يستميلهم ويصلهم، فيرغبهم في نفسه كالذي كان وخص البضاعة بعينها- دون أن يعطيهم غيرها من الأموال- لأنها أوقع في نفوسهم، إذ يعرفون حلها، وماله هو إنما كان عندهم مالا مجهول الحال، غايته أن يستجاز على نحو استجازتهم قبول الميرة ويظهر أن ما فعل يوسف من صلتهم، وجبرهم في تلك الشدة كان واجبا عليه، إذ هو ملك عدل وهم أهل إيمان ونبوة وقيل: علم عدم البضاعة والدراهم عند أبيه، فرد البضاعة إليهم لئلا يمنعهم العدم من الانصراف إليه وقيل: جعلها توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك، ليبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من القصة أنه إنما أراد الاستئلاف وصلة الرحم.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: «نكتل» بالنون على مراعاة مُنِعَ مِنَّا ويقويه:
وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَزْدادُ يوسف: ٦٥ وقرأ حمزة والكسائي: «يكتل» بالياء، أي يكتل يامين كما اكتلنا نحن.
وأصل نَكْتَلْ، وزنه نفتعل. وقولهم مُنِعَ مِنَّا ظاهره أنهم أشاروا إلى قوله: فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي يوسف: ٦٠ فهو خوف في المستأنف وقيل: أشاروا إلى بعير بنيامين- الذي لم يمتر- والأول أرجح. ثم تضمنوا له حفظه وحيطته.
قوله عز وجل:
سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٤ الى ٦٥
قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥)
قوله هَلْ توقيف وتقرير، وتألم يعقوب عليه السلام من فرقة بنيامين، ولم يصرح بمنعهم من حمله لما رأى في ذلك من المصلحة، لكنه أعلمهم بقلة طمأنينته إليهم. وأنه يخاف عليه من كيدهم، ولكن