وهنا برزت جرأة ابن عباس فقال بكل أدب وتوقير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: في نفسي منها شيء. فقال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك.
قال: ضربت مثلا لعمل، فقال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: رجل غني يعمل بطاعة الله، ثم بعث له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله «١» .
قال عطاء: ما رأيت أكرم من مجلس ابن عباس: أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده.
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم، ونسب، وتأويل وما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه ولا أفقه في رأي، ولا أثقب رأيا فيما احتيج إليه منه. ولقد كان يجلس يوما ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويوما التأويل، ويوما المغازي، ويوما الشعر، ويوما أيام العرب، ولا رأيت عالما قط جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلا قط مسألة إلا وجد عنده علما.
وقيل لطاوس:
لزمت هذا الغلام- يعني ابن عباس- وتركت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم!! قال: إني رأيت سبعين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تدارؤوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس.
قيمة تفسيره:
يقول علي كرم الله وجهه عن تفسيره: «كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق» .
وقال ابن عمر: ابن عباس أعلم أمة محمد بما نزل على محمد.
وقال تلميذه مجاهد عنه: إنه إذا فسر الشيء رأيت عليه النور.
قيمة التفسير المأثور عن الصحابة
قال العلماء:
- إن التفسير المأثور عن الصحابة له حكم المرفوع إذا كان مما يرجع إلى أسباب النزول وما ليس للصحابي فيه رأي.
- أما ما يكون للرأي فيه مجال فهو موقوف عليه ما دام لم يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(١) عمدة القاري ١٨/ ١٢٩.