بمعنى التقرير، والمعنى: أسواء من هداه الله فعلم صدق نبوتك وآمن بك، ومن لم يهتد ولا رزق بصيرة فبقي على كفره، فمثل عز وجل ذلك بالعمى.
وروي أن هذه الآية نزلت في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل بن هشام، وقيل: في عمار بن ياسر وأبي جهل بن هشام، وهي بعد هذا مثال في جميع العالم.
وأَنَّما في هذه الآية حاصرة، أي إِنَّما يَتَذَكَّرُ فيؤمن ويراقب الله من له لب وتحصيل.
ثم أخذ تعالى في وصف هؤلاء الذين يسرهم للإيمان فقال: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وقوله:
بِعَهْدِ اللَّهِ: اسم للجنس، أي بجميع عهود الله وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده، ويدخل في هذه الألفاظ التزام جميع الفروض وتجنب جميع المعاصي.
وقوله: وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ يحتمل أن يريد به جنس المواثيق أي إذا اعتقدوا في طاعة الله عهدا لم ينقضوه. قال قتادة: وتقدم الله إلى عباده في نقض الميثاق ونهى عنه في بعض وعشرين آية ويحتمل أن يشير إلى ميثاق معين وهو الذي أخذه الله على عباده وقت مسحه على ظهر أبيهم آدم عليه السلام.
ووصل ما أمر الله به أن يوصل: ظاهره في القرابات وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات. وسُوءَ الْحِسابِ هو أن يتقصى ولا تقع فيه مسامحة ولا تغمد.
قوله عز وجل:
سورة الرعد (١٣) : الآيات ٢٢ الى ٢٤
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)
«الصبر لوجه الله» يدخل في الرزايا والأسقام والعبادات وعن الشهوات ونحو ذلك.
وابْتِغاءَ نصب على المصدر أو على المفعول لأجله، و «الوجه» في هذه الآية ظاهره الجهة التي تقصد عنده تعالى بالحسنات لتقع عليها المثوبة، وهذا كما تقول: خرج الجيش لوجه كذا، وهذا أظهر ما فيه مع احتمال غيره و «إقامة الصلاة» هي الإتيان بها على كمالها، والصَّلاةَ هنا هي المفروضة وقوله:
وَأَنْفَقُوا يريد به مواساة المحتاج، و «السر» هو فيما أنفق تطوعا، و «العلانية» فيما أنفق من الزكاة المفروضة، لأن التطوع كله الأفضل فيه التكتم.
وقوله: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أي ويدفعون من رأوا منه مكروها بالتي هي أحسن، وقيل:
يدفعون بقول: لا إله إلا الله، شركهم وقيل: يدفعون بالسلام غوائل الناس.
قال القاضي أبو محمد: وبالجملة فإنهم لا يكافئون الشر بالشر، وهذا بخلاف خلق الجاهلية، وروي أن هذه الآية نزلت في الأنصار ثم هي عامة بعد ذلك في كل من اتصف بهذه الصفات.