فيضجون ويصيحون ويبكون خمسمائة سنة أخرى، فلا ينتفعون، فحينئذ يقولون هذا القول الذي في الآية، وظاهر الآية أنهم إنما يقولونها في موقف العرض وقت البروز بين يدي الله تعالى.
قوله عز وجل:
سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٣
وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)
المراد هنا ب الشَّيْطانُ إبليس الأفذم نفسه، وروي في حديث عن النبي عليه السلام- من طريق عقبة بن عامر- أنه قال: «يقوم يوم القيامة خطيبان: أحدهما إبليس يقوم في الكفرة بهذه الألفاظ، والآخر عيسى ابن مريم يقوم بقوله: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ المائدة: ١١٧ ، وقال بعض العلماء: يقوم إبليس خطيب السوء، الصادق بهذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذه الرواية يكون معنى قوله: قُضِيَ الْأَمْرُ أي حصل أهل النار في النار، وأهل الجنة في الجنة، وهو تأويل الطبري.
قال القاضي أبو محمد: وقُضِيَ قد يعبر عنها في الأمور عن فعل كقوله تعالى: وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ هود: ٤٤ وقد يعبر بها عن عزم على أن يفعل، كقوله: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ يوسف: ٤١ .
و «الوعد» في هذه الآية على بابه في الخير، أي إن الله وعدهم النعيم إن آمنوا، ووعدهم إبليس الظفر والأمل إن كذبوا، ومعلوم اقتران وعد الله بوعيده، واتفق أن لم يتبعوا طلب وعد الله فوقعوا في وعيده، وجاء من ذلك كأن إبليس أخلفهم. وال سُلْطانٍ الحجة البينة، وقوله: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ استثناء منقطع، وإِنَّ في موضع نصب، ويصح أن تكون في موضع رفع على معنى: إلا أن النائب عن السلطان، إن دعوتكم فيكون هذا في المعنى كقول الشاعر: الوافر تحية بينهم ضرب وجيع ومعنى قوله: فَاسْتَجَبْتُمْ لِي أي رأيتم ما دعوتكم إليه ببصيرتكم واعتقدتموه الرأي وأتى نظركم عليه.
قال القاضي أبو محمد: وذكر بعض الناس أن هذا المكان يبطل منه التقليد، وفي هذه المقالة ضعف على احتمالها، والتقليد وإن كان باطلا ففساده من غير هذا الموضع.