قال الكسائي والفراء: الباب في «ربما» أن تدخل على الفعل الماضي، ودخلت هنا على المستقبل إذ هذه الأفعال المستقبلة من كلام الله تعالى لما كانت صادقة حاصلة ولا بد جرت مجرى الماضي الواقع.
قال القاضي أبو محمد: وقد تدخل رب على الماضي الذي يراد به الاستقبال، وتدخل على العكس. والظاهر في رُبَما في هذه الآية أن «ما» حرف كاف- هكذا قال أبو علي، قال: ويحتمل أن تكون اسما، ويكون في يَوَدُّ ضمير عائد عليه، التقدير: رب ود أو شيء يوده الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.
قال القاضي أبو محمد: ويكون لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ بدلا من «ما» .
وقالت فرقة: تقدير الآية: ربما كان يود الذين كفروا. قال أبو علي: وهذا لا يجيزه سيبويه، لأن كان لا تضمر عنده.
واختلف المتأولون في الوقت الذي يود فيه الكفار أن لو كانوا مسلمين، فقالت فرقة: هو عند معاينة الموت في الدنيا- حكى ذلك الضحاك- وفيه نظر، لأنه لا يقين للكافر حينئذ بحسن حال المسلمين، وقالت فرقة: هو عند معاينة أهوال يوم القيامة- قاله مجاهد- وهذا بين، لأن حسن حال المسلمين ظاهر، فتود، وقال ابن عباس وأنس بن مالك: هو عند دخولهم النار ومعرفتهم بدخول المؤمنين الجنة، واحتج لهذا القول بحديث روي في هذا من طريق أبي موسى الأشعري وهو: أن الله إذا أدخل عصاة المسلمين النار نظر إليهم الكفار فقالوا: ليس هؤلاء من المسلمين فماذا أغنت عنهم لا إله إلا الله؟ قال: فيغضب الله تعالى لقولهم، فيقول: أخرجوا من النار كل مسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فحينئذ يود الذين كفروا أن لو كانوا مسلمين» .
قال القاضي أبو محمد: ومن العبر في هذه الآية حديث الوابصي الذي في صدر ذيل الأمالي، ومقتضاه أنه ارتد ونسي القرآن إلا هذه الآية.
وقوله: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا الآية وعيد وتهديد، وما فيه من المهادنة منسوخ بآية السيف. وقوله:
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وعيد ثان، وحكى الطبري عن بعض العلماء أنه قال: الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة، فكيف تطيب حياة بين هذين الوعيدين؟
ومعنى قوله: وَيُلْهِهِمُ أي يشغلهم أملهم في الدنيا والتزيد منها عن النظر والإيمان بالله ورسوله.
ومعنى قوله: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ الآية، أي لا تستبطئن هلاكهم فليس قرية مهلكة إلا بأجل وكتاب معلوم محدود. والواو في قوله: وَلَها هي واو الحال.
وقرأ ابن أبي عبلة «إلا لها» بغير واو. وقال منذر بن سعيد: هذه الواو هي التي تعطي أن الحالة التي بعدها في اللفظ هي في الزمن قبل الحالة التي قبل الواو، ومنه قوله: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها الزمر: ٧٣ وباقي الآية بين.