سكور الريح فهي فعل عدي بالتضعيف، وإن كانت من سكر مجاري الماء فتضعيفها للمبالغة، لا للتعدية، لأن المخفف من فعله متعد. ورجح أبو حاتم هذه القراءة، لأن «الأبصار» جمع، والتثقيل مع الجمع أمثل، كما قال: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ص: ٥٠ ومن قرأ «سكرت» - بضم السين وتخفيف الكاف، فإن كانت اللفظة من سكر الماء فهو فعل متعد وإن كانت من سكر الشراب أو من سكور الريح، فيضمنا أن الفعل بني للمفعول إلى أن ننزله متعديا، ويكون هذا الفعل من قبيل: رجح زيد ورجحه غيره، وغارت العين وغارها الرجل: فتقول- على هذا- سكر الرجل، وسكره غيره، وسكرت الريح، وسكرها شيء غيرها.
ومعنى هذه المقالة منهم: أي غيرت أبصارنا عما كانت عليه، فهي لا تنفذ وتعطينا حقائق الأشياء كما كانت تفعل.
قال القاضي أبو محمد: وعبر بعض المفسرين عن هذه اللفظة بقوله: غشي على أبصارنا وقال بعضهم عميت أبصارنا، وهذا ونحوه تفسير بالمعنى لا يرتبط باللفظ.
ولقال أيضا هؤلاء المبصرون عروج الملائكة، أو عروج أنفسهم، بعد قولهم: سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بل سحرنا حتى ما نعقل الأشياء كما يجب، أي صرف فينا السحر.
قوله عز وجل:
سورة الحجر (١٥) : الآيات ١٦ الى ٢١
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠)
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)
لما ذكر تعالى أنهم لو رأوا الآية المذكورة في السماء لعاندوا فيها- عقب ذلك بهذه الآية- فكأنه قال: وإن في السماء لعبرا منصوبة غير هذه المذكورة، وكفرهم بها، وإعراضهم عنها إصرار منهم وعتو.
«والبروج» : المنازل، واحدها برج، وسمي بذلك لظهوره ووضوحه، ومنه تبرج المرأة: ظهورها وبدوها، والعرب تقول: برج الشيء: إذا ظهر وارتفع.
و «حفظ السماء» هو بالرجم بالشهب- على ما تضمنته الأحاديث الصحاح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشياطين تقرب من السماء أفواجا» ، قال: فينفرد المارد منها، فيعلو فيسمع، فيرمى بالشهاب. فيقول لأصحابه- وهو يلتهب- إنه من الأمر كذا وكذا- فيزيد الشياطين في ذلك ويلقون إلى الكهنة، فيزيدون مع الكلمة مائة ونحو هذا ... الحديث. وقال ابن عباس: إن الشهب تجرح وتؤذي ولا تقتل، وقال الحسن: تقتل.
قال القاضي أبو محمد: وفي الأحاديث ما يدل على أن الرجم كان في الجاهلية ولكنه اشتد في وقت