وَمِمَّنْ هَدَيْنا، معناه وأولئك ممن هدينا، لأن هدى الله قد ناله غير هؤلاء. وَاجْتَبَيْنا معناه اصطفينا واخترنا وكأنه من جبيت المال إذا جمعته ومنه جباية المال وكأن جابيه يصطفيه، وقرأ الجمهور «إذا تتلى» بالتاء من فوق وقرأ نافع وشيبة، وأبو جعفر «إذا يتلى» بالياء، و «الآيات» هنا الكتب المنزلة، وسُجَّداً نصب على الحال لأن مبدأ السجود سجود، وقرأ عمر بن الخطاب والجمهور «بكيا» ، قالت فرقة: هو جمع باك كما يجمع عاث وجاث على عثّي وجثي، وقالت فرقة: هو مصدر بمعنى البكاء التقدير وبكو بُكِيًّا واحتج الطبري ومكي لهذا القول بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روي أنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال «هذا السجود فأين البكّي» يعني البكاء، واحتجاجهم بهذا فاسد لأنه يحتمل أن يريد عمر رضي الله عنه «فأين الباكون» ، فلا حجة فيه لهذا وهذا الذي ذكروه عن عمر ذكره أبو حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن مسعود ويحيى والأعمش «وبكيا» بكسر الباء وهو مصدر على هذه القراءة لا يحتمل غير ذلك.
قوله عز وجل:
سورة مريم (١٩) : الآيات ٥٩ الى ٦٣
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣)
«الخلف» بفتح اللام القرن يأتي بعد آخر يمضي، والابن بعد الأب، وقد يستعمل في سائر الأمور.
«والخلف» بسكون اللام مستعمل إذا كان الآتي مذموما هذا مشهور كلام العرب وقد ذكر عن بعضهم أن الخلف والخلف بمعنى واحد وحجة ذلك قول الشاعر:
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ... لأولنا في طاعة الله تابع
وقرأ الجمهور «الصلاة» بالإفراد، وقرأ الحسن «أضاعوا الصلوات» بالجمع، وكذلك في مصحف ابن مسعود، والمراد ب «الخلف» من كفر أو عصى بعد من بني إسرائيل، وقال مجاهد: المراد النصارى خلفوا بعد اليهود وقال محمد بن كعب ومجاهد وعطاء: هم قوم من أمة محمد آخر الزمان، أي يكون في هذه الأمة من هذه صفته لا أنهم المراد بهذه الآية، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «كان الخلف بعد ستين سنة» ، وهذا عرف إلى يوم القيامة وتتجدد أيضا المبادئ، واختلف الناس في «إضاعة الصلاة» منهم، فقال محمد بن كعب القرظي وغيره: «كانت إضاعة كفر وجحد بها» . وقال القاسم بن مخيمرة وعبد الله بن مسعود: «كانت إضاعة أوقاتها والمحافظة على أوانها» وذكره الطبري عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في حديث طويل. والشَّهَواتِ عموم وكل ما ذكر من ذلك فمثال، و «الغي» الخسران والحصول في الورطات ومنه قول الشاعر: الطويل
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائما