لمن اشتراه وهؤلاء لم يعلموا فهو على الحقيقة، وقال مكي: الضمير في عَلِمُوا لعلماء أهل الكتاب، وفي قوله لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ للمتعلمين منهم.
قوله عز وجل:
سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)
وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا: موضع «أن» رفع، المعنى لو وقع إيمانهم، ويعني الذين اشتروا السحر، وَلَوْ تقتضي جوابا، فقالت فرقة جوابها لَمَثُوبَةٌ، لأنها مصدر يقع للمضي والاستقبال، وجواب لَوْلا يكون إلا ماضيا أو بمعناه، وقال الأخفش: لا جواب ل لَوْ في هذه الآية مظهرا ولكنه مقدر، أي لو آمنوا لأثيبوا.
وقرأ قتادة وأبو السمال وابن بريدة «لمثوبة» بسكون الثاء وفتح الواو، وهو مصدر أيضا كمشورة ومشورة، ومثوبة رفع بالابتداء وخَيْرٌ خبره والجملة خبر ان، والمثوبة عند جمهور الناس بمعنى الثواب والأجر، وهذا هو الصحيح، وقال قوم: معناه لرجعة إلى الله من ثاب يثوب إذا رجع، واللام فيها لام القسم لأن لام الابتداء مستغنى عنها، وهذه لا غنى عنها، وقوله تعالى: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يحتمل نفي العلم عنهم، ويحتمل أن يراد: لو كانوا يعلمون علما ينفع.
وقرأ جمهور الناس «راعنا» من المراعاة بمعنى فاعلنا أي أرعنا نرعك، وفي هذا جفاء أن يخاطب به أحد نبيه، وقد حض الله تعالى على خفض الصوت عنده وتعزيره وتوقيره، فقال من ذهب إلى هذا المعنى إن الله تعالى نهى المؤمنين عنه لهذه العلة، ولا مدخل لليهود في هذه الآية على هذا التأويل، بل هو نهي عن كل مخاطبة فيها استواء مع النبي صلى الله عليه وسلم. وقالت طائفة: هي لغة كانت الأنصار تقولها، فقالها رفاعة بن زيد بن التابوت للنبي صلى الله عليه وسلم ليّا بلسانه وطعنا كما كان يقول: اسمع غير مسمع، فنهى الله المؤمنين أن تقال هذه اللفظة.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ووقف هذه اللغة على الأنصار تقصير، بل هي لغة لجميع العرب فاعل من المراعاة. فكانت اليهود تصرفها إلى الرعونة، يظهرون أنهم يريدون المراعاة ويبطنون أنهم يريدون الرعونة التي هي الجهل، وحكى المهدوي عن قوم أن هذه الآية على هذا التأويل ناسخة لفعل قد كان مباحا وليس في هذه الآية شروط النسخ لأن الأول لم يكن شرعا متقررا. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن أبي ليلى وابن محيصن وأبو حيوة «راعنا» بالتنوين، وهذه من معنى الجهل، وهذا محمول على أن اليهود كانت تقوله فنهى الله تعالى المؤمنين عن القول المباح سد ذريعة لئلا يتطرق منه اليهود إلى المحظور، إذ المؤمنون إنما كانوا يقولون «راعنا» دون تنوين، وفي مصحف ابن مسعود «راعونا» ، وهي شاذة، ووجهها أنهم كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم كما تخاطب الجماعة، يظهرون بذلك إكباره وهم يريدون في الباطن فاعولا من الرعونة.
وانْظُرْنا مضمومة الألف والظاء معناها انتظرنا وأمهل علينا، ويحتمل أن يكون المعنى تفقدنا من النظر، وهذه لفظة مخلصة لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم على المعنيين، والظاهر عندي استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال، وهذا هو معنى راعِنا، فبدلت للمؤمنين اللفظة ليزول تعلق اليهود، وقرأ الأعمش وغيره «أنظرنا» بقطع الألف وكسر الظاء بمعنى أخرنا وأمهلنا حتى نفهم عنك ونتلقى منك.
ولما نهى الله تعالى في هذه الآية وأمر، حض بعد على السمع الذي في ضمنه الطاعة، واعلم أن