يكن المخبر ولا المخبر مصدقين، ولكن نفس التعاطي والتلقي من لسان إلى لسان والإفاضة في الحديث هو الذي وقع العتاب فيه، وقرأ محمد بن السميفع «إذ تلقونه» بضم التاء وسكون اللام وضم القاف من لإلقاء، وهذه قراءة بينة وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود «إذ تتلقونه» بضم التاء من التلقي بتاءين، وقرأ جمهور السبعة «إذ تلقونه» بحذف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام وهو أيضا من التلقي، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «إتلقونه» بإدغام الذال في التاء، وقرأ ابن كثير «إذ تلقونه» بإظهار الذال وإدغام التاء في التاء وهذه قراءة قلقة لأنها تقتضي اجتماع ساكنين وليس كالإدغام في قراءة من قرأ فلا «تناجوا ولا تنابزوا» لأن لدونة الألف الساكنة وكونها حرف لين حسنت هنالك ما لا يحسن مع سكون الدال، وقرأ ابن يعمر وعائشة رضي الله عنها وهي أعلم الناس بهذا الأمر «إذ تلقونه» بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف، ومعنى هذه القراءة من قول العرب ولق الرجل ولقا إذا كذب قال ابن سيده في المحكم قرىء «إذ تلقونه» وحكى أهل اللغة أنها من ولق إذا كذب فجاؤوا بالمتعدي شاهدا على غير المتعدي وعندي أنه أراد إذ تلقون فيه فحذف حرف الجر ووصل بالضمير، وحكى الطبري وغيره أن هذه اللفظة مأخوذة من الولق الذي هو إسراعك بالشيء بعد الشيء كعدو في إثر عدو وكلام في إثر كلام يقال ولق في سيره إذا أسرع ومنه قول الشاعر:
«جاءت به عنس من الشام تلق»
وقوله تعالى: وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مبالغة وإلزام وتأكيد.
والضمير في قوله وَتَحْسَبُونَهُ للحديث والخوض فيه والإذاعة له، وقوله تعالى: وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ إلى حَكِيمٌ، عتاب لجميع المؤمنين أي كان ينبغي عليكم أن تنكروه ولا يتعاطاه بعضكم من بعض على جهة الحكاية والنقل وأن تنزهوا الله تعالى عن أن يقع هذا من زوج نبيه عليه السلام وأن تحكموا على هذه المقالة بأنها بُهْتانٌ، وحقيقة البهتان أن يقال في الإنسان ما ليس فيه والغيبة أن يقال في الإنسان ما فيه. ثم وعظهم تعالى في العودة إلى مثل هذه الحالة وأَنْ مفعول من أجله بتقدير «كراهية أن» ونحوه، وقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ توقيف وتأكيد كما تقول ينبغي لك أن تفعل كذا وكذا إن كنت رجلا وسائر الآية بين وعَلِيمٌ حَكِيمٌ صفتان تقتضيهما الآية.
قوله عز وجل:
سورة النور (٢٤) : الآيات ١٩ الى ٢٠
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠)
قال مجاهد وابن زيد الإشارة بهذه الآية إلى المنافقين عبد الله بن أبي ومن أشبهه، وهي خاصة في أمر عائشة رضي الله عنها ع فحبهم شياع الْفاحِشَةُ في المؤمنين متمكن على وجهه لعداوتهم في أهل الإيمان، و «عذابهم الأليم» فِي الدُّنْيا الحدود، وفي الْآخِرَةِ النار، وقالت فرقة وقولها الأظهر الآية عامة في كل قاذف منافقا كان أو مؤمنا ع فالقاذف المؤمن لا يتصف بحب شياع الْفاحِشَةُ في المؤمنين