الحبال والعصي عن آخرها وأعدمها الله تعالى في جوفها وعادت العصا إلى حالها حين أخذ موسى بالفرجة التي في رأسها فأدخل يده في فمها فعادت عصا بإذن الله عز وجل. وقرأ جمهور القراء «تلقّف» بفتح التاء خفيفة واللام وشدّ القاف، وقرأ حفص عن عاصم «تلقف» بسكون اللام وتخفيف القاف، وروى البزي وفليح عن ابن كثير شد التاء وفتح اللام وشد القاف، ويلزم على هذه القراءة إذا ابتدأ أن يجلب همزة الوصل وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة كما لا تدخل على أسماء الفاعلين، وقوله ما يَأْفِكُونَ، أي ما يكذبون معه وبسببه في قولهم إنها معارضة لموسى ونوع من فعله، والإفك الكذب، ثم إن السحرة لما رأوا العصا، خالية من صناعة السحر ورأوا فيها بعد من أمر الله ما أيقنوا أنه ليس في قوة بشر أذعنوا ورأوا أن الغنيمة هي الإيمان والتمسك بأمر الله عز وجل فسجدوا كلهم لله عز وجل مقرين بوحدانيته وقدرته، ووصلوا إيمانهم بسبب موسى وهارون، وصرحوا بأن ذلك على أيديهما لأن قولهم «رب العالمين» مغن فلم يكرروا البيان في قولهم رَبِّ مُوسى وَهارُونَ إلا لما ذكرناه فلما رأى فرعون وملؤه إيمان السحرة وقامت الحجة بإيمان أهل علمهم ومظنة نصرتهم وقع فرعون في الورطة العظمى، فرجع إلى السحرة بهذه الحجة الأخرى، فوقفهم موبخا على إيمانهم بموسى قبل إذنه، وفي هذه اللفظة مقاربة عظيمة وبعض إذعان لأن محتملاتها أنهم لو طلبوا إذنه في ذلك أذن، ثم توعدهم بقطع الأيدي والأرجل مِنْ خِلافٍ والصلب في جذوع النخل فقالوا له لا ضَيْرَ أي لا يضرنا ذلك مع انقلابنا إلى مغفرة الله ورضوانه.
وروي أنه أنفذ فيهم ذلك الوعيد وصلبهم على النيل، قال ابن عباس أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء، وقولهم أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ يريدون من القبط وصنيفتهم وإلا فقد كانت بنو إسرائيل آمنت، وقرأ الناس «أن كنا» بفتح الألف، وقرأ أبان بن تغلب «إن» بكسر الألف بمعنى أن طمعهم إنما هو بهذا الشرط.
قوله عز وجل:
سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٥٢ الى ٦٢
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦)
فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١)
قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)
ثم إن الله عز وجل لما أراد إظهار أمره في نجاة بني إسرائيل وغرق فرعون وقومه أمر موسى أن يخرج بني إسرائيل ليلا من مصر، وأخبر أنهم سيتبعون وأمره بالسير تجاه البحر، وأمره بأن يستعير بنو إسرائيل حلي القبط وأموالهم وأن يستكثروا من أخذ أموالهم كيف ما استطاعوا هذا فيما رواه بعض المفسرين، وأمره باتخاذ خبز الزاد، فروي أنه أمر باتخاذه فطيرا لأنه أبقى وأثبت، وروي أن الحركة أعجلتهم عن اختمار خبز الزاد، وخرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل سحرا فترك الطريق إلى الشام على يساره وتوجه نحو البحر، فكان الرجل من بني إسرائيل يقول له في ترك الطريق فيقول موسى هكذا أمرت، فلما أصبح فرعون وعلم بسرى موسى ببني إسرائيل خرج في أثرهم وبعث إلى مدائن مصر لتلحقه العساكر، فروي أنه لحقه ومعه