قوله عز وجل:
سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١٢ الى ١٥
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥)
روي أن قائل هذه المقالة الوليد بن المغيرة، وقيل بل كانت شائعة من كفار قريش قالوا لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم ادخلوا في أمرنا وأقروا بآلهتنا واعبدوها معنا ونحن ليقيننا أنه لا بعث بعد الموت ولا رجوع نتضمن لكم حمل خطاياكم فيما دعوناكم إليه إن كان في ذلك درك كما تزعمون، وقولهم وَلْنَحْمِلْ إخبار أنهم يحملون خطاياهم على جهة التشبيه بالثقل ولكنهم أخرجوه في صيغة الأمر لأنها أوجب وأشد تأكيدا في نفس السامع من المجازاة وهذا نحو قال الشاعر مدثار بن شيبان النمري :
الوافر
فقلت ادعي وأدع فإن أندى ... لصوت أن ينادي داعيان
ولكونه خبرا حسن تكذيبهم فيه، فأخبر الله عز وجل أن ذلك باطل وأنهم لو فعلوه لم ينحمل عن أحد من هؤلاء المغترين بهم شيء من خطاياه التي تختص به، وقرأ الجمهور «ولنحمل» بجزم اللام، وقرأ عيسى ونوح القاري «ولنحمل» بكسر اللام وقرأ داود بن أبي هند «من خطيهم» بفتح الطاء وكسر الياء وحكى عنه أبو عمرو أنه قرأ «من خطيئاتهم» بكسر الطاء وهمزة وتاء بعد الألف، وقال مجاهد: الحمل هو من الحمالة لا من الحمل على الظهر.
ثم أخبر تعالى عن أولئك الكفرة أنهم يحملون أثقالهم من كفرهم الذي يجترحونه ويتلبسون به، وأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ يريد ما يلحقهم من إغوائهم لعامتهم وأتباعهم فأنه يلحق كل داع إلى ضلالة كفل منها حسب الحديث المشهور، «أيما داع إلى هدى فاتبع عليه فله مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وأيما داع دعا إلى ضلالة» الحديث.
قال القاضي أبو محمد: وهي وإن كانت من أَثْقالَهُمْ فلكونها بسبب غيرهم وعن غير كفر تلبسوه فرق بينها وبين أَثْقالَهُمْ ولم ينسبها إلى غيرهم بل جعلها في رتبة أخرى فقط فهم فيها إنما يزرون بوزر أنفسهم، وقد يترتب حمل أثقال الغير بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه يقتص للمظلوم بأن يعطى من حسنات ظالمه فإن لم يبق للظالم حسنة أخذ من سيئات المظلوم فطرحت عليه» ، وقوله تعالى:
وَلَيُسْئَلُنَّ، يريد على جهة التوبيخ والتقريع لا على جهة الاستفهام والاستعلام، ويَفْتَرُونَ، معناه يختلقون من الكفر ودعوى الصاحبة والولد لله تعالى وغير ذلك، وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً الآية