يتضمن أن قائله عمل عملا أو يعمله في الأنف، وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها كالتوحيد والتسبيح فمقبولة على ما قدمناه، وقرأت فرقة «والعمل» بالنصب «الصالح» على النعت وعلى هذه القراءة ف يَرْفَعُهُ مستند إما إلى الله تعالى وإما إلى الْكَلِمُ، والضمير في يَرْفَعُهُ عائد على الْعَمَلُ لا غير، وقوله يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ إما أنه عدى يَمْكُرُونَ لما أحله محل يكسبون، وإما أنه حذف المفعول وأقام صفته مقامه تقديره يمكرون المكرات السيئات، ويَمْكُرُونَ معناه يتخابثون ويخدعون وهم يظهرون أنهم لا يفعلون، ويَبُورُ معناه يفسد ويبقى لا نفع فيه، وقال بعض المفسرين يدخل في الآية أهل الربا.
قال القاضي أبو محمد: ونزول الآية أولا في المشركين.
قوله عز وجل:
سورة فاطر (٣٥) : آية ١١
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١١)
هذه آية تذكير بصفات الله تعالى على نحو ما تقدم، وهذه المحاورة إنما هي في أمر الأصنام وفي بعث الأجساد من القبور، وقال تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ من حيث خلق آدم أبانا منه، وقوله ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي بالتناسل من مني الرجال، وأَزْواجاً قيل معناه أنواعا، وقيل أراد تزويج الرجال النساء، وقوله تعالى: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ اختلف الناس في عود الضمير في قوله مِنْ عُمُرِهِ، فقال ابن عباس وغيره ما مقتضاه أنه عائد على مُعَمَّرٍ الذي هو اسم جنس والمراد غير الذي يعمر، أي أن القول يتضمن شخصين يعمر أحدهما مائة سنة أو نحوها وينقص من عمر الآخر بأن يكون عاما واحدا أو نحوه، وهذا قول الضحاك وابن زيد لكنه أعاد ضميرا إيجازا واختصارا، والبيان التام أن تقول ولا ينقص من عمر معمر لأن لفظة مُعَمَّرٍ هي بمنزلة ذي عمر.
قال القاضي أبو محمد: كأنه قال «ولا يعمر من ذي عمر ولا ينقص من عمر ذي عمر» ، وقال ابن عباس أيضا وأبو مالك وابن جبير المراد شخص واحد وعليه يعود الضمير أي ما يعمر إنسان ولا ينقص من عمره بأن يحصي ما مضى منه إذا مر حول كتب ذلك، ثم حول، ثم حول، فهذا هو النقص، قال ابن جبير ما مضى من عمره فهو النقص وما يستقبل فهو الذي يعمر، وروي عن كعب الأحبار أنه قال المعنى وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ أي لا يخرم بسبب قدرة الله، ولو شاء لأخر ذلك السبب.
قال القاضي أبو محمد: وروي أنه قال: حين طعن عمر لو دعا الله تعالى لزاد في أجله، فأنكر عليه المسلمون ذلك وقالوا: إن الله تعالى يقول فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً الأعراف: ٣٤، النحل: ٦١ فاحتج بهذه الآية وهو قول ضعيف مردود يقتضي القول بالأجلين، وبنحوه تمسكت المعتزلة، وقرأ الحسن والأعرج وابن سيرين «ينقض» على بناء الفعل للفاعل أي ينقص الله، وقرأ «من عمره» بسكون الميم الحسن وداود، و «الكتاب» المذكور في الآية اللوح المحفوظ، وقوله إِنَّ ذلِكَ إشارة إلى تحصيل هذه الأعمال وإحصاء دقائقها وساعاتها.