بإدغام النون في الواو على عرف الاتصال، وقرأ ابن أبي إسحاق بخلاف بنصب النون، وهي قراءة عيسى بن عمرو رواها عن الغنوي، وقال قتادة: يس قسم، قال أبو حاتم: قياس هذا القول نصب النون كما تقول الله لأفعلن كذا، وقرأ الكلبي بضمها وقال هي بلغة طيىء «يا إنسان» ، وقرأ أبو السمال وابن أبي إسحاق بخلاف بكسرها وهذه الوجوه الثلاثة هي للالتقاء، وقال أبو الفتح ويحتمل الرفع أن يكون اجتزاء بالسين من «يا إنسان» ، وقال الزجاج النصب كأنه قال اتل يس وهو مذهب سيبويه على أنه اسم للسورة، ويس مشبهة الجملة من الكلام فلذلك عدت آية بخلاف طس النحل: ١٤ ولم ينصرف يس للعجمة والتعريف، والْحَكِيمِ المحكم، فيكون فعيل بمعنى مفعل أي أحكم في مواعظه وأوامره ونواهيه، ويحتمل أن يكون الْحَكِيمِ بناء فاعل أي ذو الحكمة، وقوله عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يجوز أن تكون جملة في موضع رفع على أنها خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون في موضع نصب على أنها في موضع حال من الْمُرْسَلِينَ، و «الصراط» الطريق، والمعنى على طريق وهدى ومهيع رشاد، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «تنزيل» بالرفع على خبر الابتداء وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «تنزيل» بالنصب على المصدر، واختلف عن عاصم، وهي قراءة طلحة والأشهب وعيسى بن عمر والأعمش بخلاف عنهما.
قوله عز وجل:
سورة يس (٣٦) : الآيات ٦ الى ٩
لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩)
اختلف المفسرون في قوله ما أُنْذِرَ، فقال عكرمة ما بمعنى الذي، والتقدير الشيء الذي أنذره الآباء من النار والعذاب، ويحتمل أن تكون ما مصدرية على هذا القول من أن الآباء أنذروا.
قال القاضي أبو محمد: ف «الآباء» على هذا كله هم الأقدمون على مر الدهور، وقوله تعالى:
فَهُمْ، مع هذا التأويل بمعنى فإنهم دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة، وقال قتادة ما نافية أي أن آباءهم لم ينذروا، فالآباء على هذا هم القريبون منهم، وهذه الآية كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ سبأ: ٤٤ ، وهذه النذارة المنفية هي نذارة المباشرة والأمر والنهي، وإلا فدعوة الله تعالى من الأرض لم تنقطع قط، وقوله فَهُمْ على هذا، الفاء منه واصلة بين الجملتين ورابطة للثانية بالأولى، وحَقَّ الْقَوْلُ معناه وجب العذاب وسبق القضاء به هذا فيمن لم يؤمن من قريش كمن قتل ببدر وغيرهم، وقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا الآية قال مكي: قيل هي حقيقة في أحوال الآخرة وإذا دخلوا النار.
قال القاضي أبو محمد: وقوله تعالى: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ يضعف هذا القول لأن بصر الكافر يوم القيامة إنما هو حديد يرى قبح حاله، وقال الضحاك: معناه متعناهم من النفقة في سبيل الله، كما