التقمته بعد أن وقع في الماء، وروي أن الله أوحى إلى الحوت أني لم أجعل يونس لك رزقا وإنما جعلت بطنك له حرزا وسجنا فهذا معنى فَساهَمَ
أي قارع وكذلك فسر ابن عباس والسدي، و «المدحض» الزاهق المغلوب في محاضة أو مساهمة أو مسابقة ومنه الحجة الداحضة، و «المليم» الذي أتى ما يلام عليه، ألام الرجل دخل في اللوم، وبذلك فسر مجاهد وابن زيد ومنه قول الشاعر: الطويل
وكم من مليم لم يصب بملامة ... ومتبع بالذنب ليس له ذنب
ومنه قول لبيد بن ربيعة: الكامل
سفها عذلت ولمت غير مليم ... وهداك قبل اليوم غير حكيم
ثم استنقذه الله من بطن الحوت بعد مدة واختلف الناس فيها، فقالت فرقة بعد ساعة من النهار، وقالت فرقة بعد سبع ساعات، وقال مقاتل بن حيان بعد ثلاثة أيام، وقال عطاء بن أبي رباح بعد سبعة أيام، وقالت فرقة بعد أربعة عشر يوما، وقال أبو مالك والسدي بعد أربعين يوما، وهو قول ابن جريج أنه بلغه وجعل تعالى علة استنقاذه مع القدر السابق تسبيحه، واختلف الناس في ذلك فقال ابن جريج هو قوله في بطن الحوت سبحان الله، وقالت فرقة بل التسبيح وصلاة التطوع، واختلفت هذه الفرقة، فقال قتادة وابن عباس وأبو العالية صلاته في وقت الرخاء نفعته في وقت الشدة، وقال هذا جماعة من العلماء، وقال الضحاك بن قيس على منبره اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة إن يونس كان عبدا لله ذاكرا فلما أصابته الشدة نفعه ذلك، قال الله عز وجل: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، وإن فرعون كان طاغيا باغيا فلما أدركه الغرق قال آمنت فلم ينفعه ذلك، فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة. وقال قتادة في الحكمة: إن العمل يرفع صاحبه إذ عثر فإذا صرع وجد متكئا، وقال الحسن بن أبي الحسن: كانت سبحته صلاة في بطن الحوت، وروي أنه كان يرفع لحم الحوت بيديه ويقول يا رب لأبنين لك مسجدا حيث لم يبنه أحد قبلي ويصلي، وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يونس حين نادى في الظلمات، ارتفع نداؤه إلى العرش فقالت الملائكة: يا رب هذا صوت ضعيف من موضع غربة، فقال الله هو عبدي يونس فأجاب الله دعوته.
قال القاضي أبو محمد: وذكر الحديث وقال ابن جبير الإشارة بقوله مِنَ الْمُسَبِّحِينَ إلى قوله لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ الأنبياء: ٨٧ .
قال القاضي أبو محمد: وكثر الناس في هذا القصص بما اختصرناه لعدم الصحة، وروي أن الحوت مشى به في البحار كلها حتى قذفه في نصيبين من ناحية الموصل فنبذه الله في عراء من الأرض، و «العراء» الفيفاء التي لا شجر فيها ولا معلم ومنه قول الشاعر:
رفعت رجلا لا أخاف عثارها ... ونبذت بالبلد العراء ثيابي
وقال السدي وابن عباس في تفسير قوله وَهُوَ سَقِيمٌ، إنه كان كالطفل المنفوش بضعة لحم، وقال بعضهم كان كاللحم النيء إلا أنه لم ينقص من خلقه شيء فأنعشه الله في ظل «اليقطينة» بلبن أروية كانت