ذلك أمرا حتما واقعا ولا بد، حسن أن يخبر عن تلك الحال التي كانت وثيقة، ثم عطف عليها حالة جعل الزوجة منها، فجاءت معان مترتبة وإن كان خروج خلق العالم من آدم إلى الوجود إنما يجيء بعد ذلك، وزوج آدم حواء عليهما السلام، وخلقت من ضلعه القصيري فيما روي، ويؤيد هذا الحديث الذي فيه أن المرأة خلقت من ضلع، فإن ذهبت تقيمه كسرته. وقالت فرقة: خلقت حواء من بقية طين آدم والأول أصح، وقد تقدم شرح ذلك. وقوله تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ قيل معناه: أن المخلوق الأول من هذه الأنعام خلق في السماء وأهبط إلى الأرض، وقالت فرقة: بل لما نزل الأمر بخلقه وإيجاده من عند الله، وكانت العادة في نعم الله ورحمته وأمطاره وغير ذلك أن يقال فيها إنها من السماء عبر عن هذه ب أَنْزَلَ، وقالت فرقة: لما كانت الأمطار تنزل وكانت الأعشاب والنبات عن المطر، وكانت هذه الأنعام عن النبات في سمنها ومعاشها، قال في هذه أَنْزَلَ فهو على التدريج كما قال الراجز:
أسنمة الآبال في ربابه.
وكما قال الشاعر عمرو بن حبان : الطويل تعالى الندى في متنه وتحدرا وجعلها ثَمانِيَةَ، لأن كل واحد فيه زوج للذكر من فرعه، وهي الضأن والمعز والبقر والإبل.
وقوله تعالى: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ قال ابن زيد، معناه: يخلقكم في البطون خلقا من بعد خلق آخر في ظهر آدم وظهور الآباء. وقال مجاهد وعكرمة والسدي: يخلقكم في البطون رتبا خلقا من بعد خلق على المضغة والعلقة وغير ذلك.
وقرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف: يَخْلُقُكُمْ بإدغام القاف في الكاف في جميع القرآن.
وقرأ الجمهور: أُمَّهاتِكُمْ بضم الهمزة. وقرأ يحيى بن وثاب: بكسرها وهي لغتان.
وقوله: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ قالت فرقة: الأولى هي ظهر الأب، ثم رحم الأم، ثم المشيمة في البطن. وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: هي المشيمة والرحم والبطن، وهذه الآيات كلها هي معتبر وتنبيه لهم على الخالق الصانع الذي لا يستحق العبادة غيره، وهذا كله في رد أمر الأصنام والإفساد لها. ثم قال تعالى لهم: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ وقد قامت على ذلك البراهين واتسقت الأدلة فَأَنَّى تُصْرَفُونَ، أي من أي جهة تضلون وبأي سبب؟
قوله عز وجل:
سورة الزمر (٣٩) : آية ٧
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧)
قال ابن عباس: هذه الآية مخاطبة للكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم. و «عباده» : هم المؤمنون.