إلى ارتفاع الضحى. وقال الحسن: بِالْعَشِيِّ، يريد صلاة العصر وَالْإِبْكارِ: يريد به صلاة الصبح.
ثم أخبر تعالى عن أولئك الكفار الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان وهم يريدون بذلك طمسها والرد في وجهها أنهم ليسوا على شيء، بل في صدورهم وضمائرهم كبر وأنفة عليك حسدا منهم على الفضل الذي آتاك الله، ثم نفى أن يكونوا يبلغون آمالهم بحسب ذلك الكبر فقال: ما هُمْ بِبالِغِيهِ وهنا حذف مضاف تقديره: ببالغي إرادتهم فيه، وفي هذا النفي الذي تضمن أنهم لا يبلغون أملا تأنيس لمحمد عليه السلام. ثم أمره تعالى الاستعاذة بالله في كل أمره من كل مستعاذ منه، لأن الله يسمع أقواله وأقوال مخالفيه، وهو بصير بمقاصدهم ونياتهم، ويجازي كلّا بما يستوجبه، (والمقصد بأن يستعاذ منه عند قوم الكبر المذكور) ، كأنه قال: هؤلاء لهم كبر لا يبغون منه أملا، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من حالهم. وذكر الثعلبي: أن هذه الاستعاذة هي من الدجال وفتنته، والأظهر ما قدمناه من العموم في كل مستعاذ منه.
قوله عز وجل:
سورة غافر (٤٠) : الآيات ٥٧ الى ٦٠
لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠)
قوله تعالى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ توبيخ لهؤلاء الكفرة المتكبرين، كأنه قال: مخلوقات الله أكبر وأجل قدرا من خلق البشر، فما لأحد منهم يتكبر على خالقه، ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث والإعادة، فأعلم أن الذي خلق السماوات والأرض قوي قادر على خلق الناس تارة أخرى. والخلق على هذا التأويل مصدر مضاف إلى المفعول. وقال النقاش: المعنى مما يخلق الناس، إذ هم في الحقيقة لا يخلقون شيئا، فالخلق في قوله: مِنْ خَلْقِ النَّاسِ مضاف إلى الفاعل على هذا التأويل.
وقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يقتضي أن الأقل منهم يعلم ذلك، ولذلك مثل الأكثر الجاهل:
ب الْأَعْمى، والأقل العالم: ب الْبَصِيرُ، وجعل: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعادلهم قوله:
وَلَا الْمُسِيءُ وهو اسم جنس يعم المسيئين، وأخبر تعالى أن هؤلاء لا يستوون، فكذلك الأكثر الجهلاء من الناس لا يستوون مع الأقل الذين يعلمون.
وقرأ أكثر القراء والأعرج وأبو جعفر وشيبة والحسن: «يتذكرون» بالياء على الكناية عن الغائب. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وقتادة وطلحة وعيسى وأبو عبد الرحمن: «تتذكرون» بالتاء من فوق على المخاطبة.