المعنى: قل لهم يا محمد: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ أيها الناس من تكذيب وتصديق وإيمان وكفر وغير ذلك، فالحكم فيه والمجازاة عليه ليست إلي ولا بيدي، وإنما ذلك إِلَى اللَّهِ الذي صفاته ما ذكر من إحياء الموتى والقدرة على كل شيء، ثم قال: ذلكم الله ربي وعليه توكلي وإليه إنابتي ورجوعي، وهو فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أي مخترعها وخالقها شق بعضها من بعض.
وقوله تعالى: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يريد: زوج الإنسان الأنثى، وبهذه النعمة اتفق الذرء، وليست الأزواج هاهنا الأنواع، وأما الأزواج المذكورة مع الأنعام، فالظاهر أيضا والمتسق: أنه يريد: إناث الذكران، ويحتمل أن يريد الأنواع، والأول أظهر.
وقوله: يَذْرَؤُكُمْ أي يخلقكم نسلا بعد نسل وقرنا بعد قرن، قاله مجاهد والناس، فلفظة ذرأ:
تزيد على لفظة: خلق معنى آخر ليس في خلق، وهو توالي الطبقات على مر الزمان.
وقوله: فِيهِ الضمير عائد على الجعل الذي يتضمنه قوله: جَعَلَ لَكُمْ، وهذا كما تقول:
كلمت زيدا كلاما أكرمته فيه. وقال القتبي: الضمير للتزويج، ولفظة: «في» مشتركة على معان، وإن كان أصلها الوعاء وإليه يردها النظر في كل وجه.
وقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الكاف مؤكدة للتشبيه، فبقي التشبيه أوكد ما يكون، وذلك أنك تقول: زيد كعمرو، وزيد مثل عمرو، فإذا أردت المبالغة التامة قلت: زيد كمثل عمرو، ومن هذا قول أوس بن حجر: المتقارب
وقتلى كمثل جذوع النخي ... ل يغشاهم سيل منهمر
ومنه قول الآخر: البسيط
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ... ما إن كمثلهم في الناس من أحد
فجرت الآية في هذا الموضع على عرف كلام العرب، وتفترق الآية مع هذه الشواهد متى أردت أن تتبع بذهنك هذا اللفظ فتقدر للجزوع مثلا موجودا وتشبه القتل بذلك المثل أمكنك أو لا يمكنك هذا في جهة الله تعالى إلا أن تجعل المثل ما يتحصل في الذهن من العلم بالله تعالى، إذ المثل والمثال واحد، وذهب الطبري وغيره إلى أن المعنى: ليس كهو شيء. وقالوا لفظة مثل في الآية توكيد أو واقعة موقع هو.
قال القاضي أبو محمد: ومما يؤيد دخول الكاف تأكيدا أنها قد تدخل على الكاف نفسها، وأنشد سيبويه:
وصاليات ككما يؤثفين