قوله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا توقيف لقريش وتوبيخ. و: الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يريد: ثمود وقوم لوط وقوم شعيب وأهل السد وغيرهم. والدمار: الإفساد وهدم البناء وإذهاب العمران.
وقوله: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ من ذلك. والضمير في قوله: أَمْثالُها يصح أن يعود على العاقبة المذكورة، ويصح أن يعود على الفعلة التي يتضمنها قوله: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وقولهم: ذلِكَ بِأَنَّ ابتداء وخبر في «أن» وما عملت فيه. والمولى: الناصر الموالي، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا» . وقال قتادة: إن هذه الآية نزلت يوم أحد ومنها انتزع رسول الله صلى الله عليه وسلم رده على أبي سفيان حين قال له: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم» .
وقوله تعالى: وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ أي أكلا مجردا من فكرة ونظر، فالتشبيه بالمعنى إنما وقع فيما عدا الأكل من قلة الفكر وعدم النظر، فقوله: كَما في موضع الحال، وهذا كما تقول لجاهل:
يعيش كما تعيش البهيمة، فأما بمقتضى اللفظ فالجاهل والعالم والبهيمة من حيث لهم عيش فهم سواء، ولكن معنى كلامك يعيش عديم النظر والفهم كما تعيش البهيمة. والمثوى: موضع الإقامة، وقد تقدم القول غير مرة في قوله: وَكَأَيِّنْ. وضرب الله تعالى لمكة مثلا بالقرى المهلكة على عظمها، كقرية قوم عاد وغيرها. و: أَخْرَجَتْكَ معناه: وقت الهجرة. ونسب الإخراج إلى القرية حملا على اللفظ. وقال:
أَهْلَكْناهُمْ حملا على المعنى. ويقال: إن هذه الآية نزلت إثر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في طريق المدينة. وقيل: نزلت بالمدينة. وقيل: نزلت بمكة عام دخلها رسول الله صلى عليه وسلم بعد الحديبية. وقيل نزلت: عام الفتح وهو مقبل إليها. وهذا كله حكمه حكم المدني.
قوله عز وجل:
سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٤ الى ١٦
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦)
قوله تعالى: أَفَمَنْ كانَ الآية توقيف وتقرير على شيء متفق عليه وهي معادلة بين هذين الفريقين.
وقال قتادة: الإشارة بهذه الآية إلى محمد عليه السلام في أنه الذي هو على بينة وإلى كفار قريش في أنهم الذين زين لهم سوء أعمالهم.
قال القاضي أبو محمد: وبقي اللفظ عاما لأهل هاتين الصفتين غابر الدهر وقوله: عَلى بَيِّنَةٍ معناه