وأسنده الطبري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه روعي إدبار صلاة النهار كما روعي إدبار النجوم في صلاة الليل، فقيل هي الركعتان مع الفجر. وروي عن ابن عباس أن أَدْبارَ السُّجُودِ: الوتر، حكاه الثعلبي وقال ابن زيد وابن عباس أيضا ومجاهد: هي النوافل إثر الصلوات وهذا جار مع لفظ الآية، وقال بعض العلماء العارفين: هي صلاة الليل، قال الثعلبي: وقال بعض العلماء في قوله: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ هي ركعتا الفجر وَقَبْلَ الْغُرُوبِ الركعتان قبل المغرب وقال بعض التابعين: رأيت أصحاب محمد يهبون إليها كما يهبون إلى المكتوبة، وقال قتادة: ما أدركت أحدا يصلي الركعتين قبل المغرب إلا أنسا وأبا برزة.
وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة وابن عباس وأبو جعفر وشيبة وعيسى وشبل وطلحة والأعمش «وإدبار» بكسر الألف وهي مصدر أضيف إليه وقت، ثم حذف الوقت، كما قالوا: جئتك مقدم الحاج وخفوق النجم ونحوه، وقرأ الباقون والحسن والأعرج، «وأدبار» بفتح الهمزة وهو جمع دبر كطنب وأطناب، أي وفي «أدبار السجود» أي في أعقابه وقال أوس بن حجر: الطويل
على دبر الشهر الحرام بأرضنا ... وما حولها جدب سنون تلمع
قوله عز وجل:
سورة ق (٥٠) : الآيات ٤١ الى ٤٥
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥)
قوله تعالى: وَاسْتَمِعْ بمنزلة، وانتظر، وذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بأن يستمع في يوم النداء، لأن كل من فيه يستمع وإنما الآية في معنى الوعيد للكفار، وقيل لمحمد تحسس وتسمع هذا اليوم وارتقبه، وهذا كما تقول لمن تعده بورود فتح استمع كذا وكذا، أي كن منتظرا له مستمعا، وعلى هذا فنصب يَوْمَ إنما هو على المفعول الصريح.
وقرأ ابن كثير: «المنادي» بالياء في الوصل والوقف على الأصل الذي هو ثبوتها، إذا الكلام غير تام وإنما الحذف أبدا في الفواصل، والكلام التام تشبيها بالفواصل. وقرأ أبو عمرو ونافع، بالوقف بغير ياء لأن الوقف موضع تغيير، ألا ترى أنها تبدل من التاء فيه الهاء في نحو طلحة وحمزة، ويبدل من التنوين الألف ويضعف فيه الحرف كقولك هذا فرج، ويحذف فيه الحرف في القوافي، وقرأ الباقون وطلحة والأعمش وعيسى بحذف الياء في الوصل والوقف جميعا وذلك اتباع لخط المصحف، وأيضا فإن الياء تحذف مع التنوين فوجب أن تحذف مع معاقب التنوين وهي الألف واللام.
وقوله تعالى: مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قيل وصفه بالقرب من حيث يسمع جميع الخلق. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن ملكا ينادي من السماء: أيتها الأجسام الهامدة والعظام البالية والرمم الذاهبة، هلم إلى الحساب الوقوف بين يدي الله» . وقال كعب الأحبار وقتادة وغيرهما: المكان صخرة بيت المقدس