كأنه ما في الموضع المحتظر بالنار، وما ذكرناه عن ابن عباس وقتادة هو على قراءة كسر الظاء، وفي هذا التأويل بعض البعد. وقال قوم: «المحتظر» بالفتح الهشيم نفسه وهو مفتعل، وهو كمسجد الجامع وشبهه.
وقد تقدم قصص قوم لوط. والحاصب: السحاب الرامي بالبرد وغيره، وشبه تلك الحجارة التي رمى بها قوم لوط به بالكثرة والتوالي، وهو مأخوذ من الحصباء، كان السحاب يحصب مقصده، ومنه قول الفرزدق: البسيط
مستقبلين شمال الشام تحصبهم ... بحاصب كنديف القطن منثور
وقال ابن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأهل المدينة: مصروف، لأنه نكرة لم يرد به يوم بعينه. وقوله: نِعْمَةً نصب على المصدر، أي فعلنا ذلك إنعاما على القوم الذين نجيناهم، وهذا هو جزاؤنا لمن شكر نعمنا وآمن وأطاع.
قوله عز وجل:
سورة القمر (٥٤) : الآيات ٣٦ الى ٤٤
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤)
المعنى: ولقد أنذر لوط قومه أخذنا إياهم، و: بَطْشَتَنا بهم، أي عذابنا لهم. و: «تماروا» معناه: تشككوا وأهدى بعضهم الشك إلى بعض بتعاطيهم الشبه والضلال. و: «النذر» جمع نذير. وهو المصدر، ويحتمل أن يراد بِالنُّذُرِ هنا وفي قوله: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ القمر: ٣٣ جمع نذير، الذي هو اسم الفاعل والضيف: يقع للواحد والجميع، وقد تقدم ذكر أضيافه وقصصهم مستوعبا.
وقوله: فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ قال قتادة: هي حقيقة، جر جبريل شيئا من جناحه على أعينهم فاستوت مع وجوههم. قال أبو عبيدة: مطموسة بجلد كالوجه. وقال ابن عباس والضحاك: هي استعارة وإنما حجب إدراكهم فدخلوا المنزل ولم يروا شيئا، فجعل ذلك كالطمس.
وقوله تعالى: بُكْرَةً قيل: كان ذلك عند طلوع الفجر، وأدغم ابن محيصن الدال في الصاد من قوله: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ والجمهور على غير الإدغام. بُكْرَةً نكرة، فلذلك صرفت. وقوله: فَذُوقُوا عَذابِي يحتمل أن يكون من قول الله تعالى لهم، ويحتمل أن يكون من قول الملائكة، وَنُذُرِ جمع المصدر، أي وعاقبة نذري التي كذبتم بها، وقوله: مُسْتَقِرٌّ في صفة العذاب، لأنه لم يكشف عنهم كاشف، بل اتصل ذلك بموتهم، وهم مدة موتهم تحت الأرض معذبون بانتظار جهنم، ثم يتصل ذلك بعذاب النار، فهو أمر متصل مستقر، وكرر فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ تأكيدا وتوبيخا، وروى ورش عن نافع: «نذري» بياء.