وتلك سبيل الله فيهم، وقد تقدم تفسير نظير هذه الآية، وقوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى فعل الله تعالى في فضيحتهم وتوبيخهم، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى سوء ما عملوا، فالمعنى ساء عملهم أن كفروا بعد إيمانهم، وقوله تعالى: آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا إما أن يريد به منهم من كان آمن ثم نافق بعد صحة من إيمانه، وقد كان هذا موجودا، وإما أن يريدهم كلهم، فالمعنى ذلك أنهم أظهروا الإيمان ثم كفروا في الباطن أمرهم فسمى ذلك الإظهار إيمانا، وقرأ بعض القراء: «فطبع» على بناء الفعل للفاعل، وقرأ جمهور القراء:
«فطبع» بضم الطاء على بنائه للمفعول بغير إدغام. وأدغم أبو عمرو، وقرأ الأعمش: «فطبع الله» ، وعبر بالطبع عما خلق في قلوبهم من الريب والشك وختم عليهم به من الكفر والمصير إلى النار، وقوله تعالى:
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ، وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ توبيخ لهم لأنهم كانوا رجالا أجمل شيء وأفصحه، فكان نظرهم يروق وقولهم يخيب، ولكن الله تعالى جعلهم «كالخشب المسندة» ، وإنما هي أجرام لا عقول لها، معتمدة على غيرها، لا تثبت بأنفسها، ومنه قولهم: تساند القوم إذا اصطفوا وتقابلوا للقتال، وقد يحتمل أن يشبه اصطفافهم في الأندية باصطفاف الخشب المسندة وخلوهم من الأفهام النافعة خلو الخشب من ذلك، وقال رجل لابن سيرين: رأيتني في النوم محتضنا خشبة، فقال ابن سيرين: أظنك من أهل هذه الآية وتلا: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ. وقرأ عكرمة وعطية: «يسمع» مضمومة بالياء، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة وعاصم: «خشب» بضم الخاء والشين، وقرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي: «خشب» بضم الخاء وإسكان الشين وهي قراءة البراء بن عازب واختيار ابن عبيد. وقرأ سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب:
«خشب» بفتح الخاء والشين، وذلك كله جمع خشبة بفتح الخاء والشين، فالقراءتان أولا كما تقول: بدنة وبدن وبدن: قاله سيبويه، والأخيرة على الباب في تمرة وتمر.
وكان عبد الله بن أبي من أبهى المنافقين وأطولهم، ويدل على ذلك أنه لم يوجد قميص يكسو العباس غير قميصه، وقد تقدم في سورة البقرة تحرير أمر المنافقين وكيف سترهم الإسلام.
وقوله تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، فضح أيضا لما كانوا يسرونه من الخوف، وذلك أنهم كانوا يتوقعون أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله بقتلهم، وقال مقاتل: فكانوا متى سمعوا نشدان ضالة أو صياحا بأي وجه كان أو أخبروا بنزول وحي طارت عقولهم حتى يسكن ذلك. ويكون في غير شأنهم، وجرى هذا اللفظ مثلا في الخائف، ونحو قول الشاعر بشار بن برد العقيلي : الوافر
يروّعه السرار بكل أرض ... مخافة أن يكون به السرار
وقول جرير: الكامل
ما زلت تحسب كل شيء بعدهم ... خيلا تكر عليهم ورجالا
ثم أخبر تعالى بأنهم الْعَدُوُّ وحذر منهم، والْعَدُوُّ يقع للواحد والجمع، وقوله تعالى:
قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء يتضمن الإقصاء والمنابذة، وتمني الشر لهم، وقوله تعالى: أَنَّى يُؤْفَكُونَ معناه:
كيف يصرفون، ويحتمل أن يكون أَنَّى استفهاما، كأنه قال كيف يصرفون أو لأي سبب لا يرون