وقوله تعالى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الآية، قال الجمهور: كان هذا ثم نسخ وأمر بالقتال في كل موضع.
قال الربيع: نسخه وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ.
وقال قتادة: نسخه قوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ التوبة: ٥ .
وقال مجاهد: «الآية محكمة ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل» .
وقرأ حمزة والكسائي والأعمش «ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم» بالقتل في الأربعة، ولا خلاف في الأخيرة أنها فَاقْتُلُوهُمْ، والمعنى على قراءة حمزة والكسائي: فإن قتلوا منكم فاقتلوهم أيها الباقون، وذلك كقوله تعالى: قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا آل عمران: ١٤٦ أي فما وهن الباقون، والانتهاء في هذه الآية هو الدخول في الإسلام، لأن غفران الله ورحمته إنما تكون مع ذلك.
وقوله تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع على قول من رآها ناسخة، ومن رآها غير ناسخة قال: المعنى قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم فَإِنْ قاتَلُوكُمْ، والأول أظهر، وهو أمر بقتال مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار، دليل ذلك قوله وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، والفتنة هنا:
الشرك وما تابعه من أذى المؤمنين، قاله ابن عباس وقتادة والربيع والسدي، والدِّينُ هنا الطاعة والشرع. وقال الأعشى ميمون بن قيس: الخفيف
هو دان الرباب إذ كرهوا الذي ... ن دراكا بغزوة وصيال
والانتهاء في هذا الموضع يصح مع عموم الآية في الكفار أن يكون الدخول في الإسلام، ويصح أن يكون أداء الجزية، وسمى ما يصنع بالظالمين عدوانا من حيث هو جزاء عدوان إذ الظلم يتضمن العدوان، والعقوبة تسمى باسم الذنب في غير ما موضع، والظالمون هم على أحد التأويلين: من بدأ بقتال، وعلى التأويل الآخر: من بقي على كفر وفتنة.
وقوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ الآية، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقسم والسدي والربيع والضحاك وغيرهم: نزلت في عمرة القضاء وعام الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا حتى بلغ الحديبية سنة ست، فصده كفار قريش عن البيت، فانصرف ووعده الله أنه سيدخله عليهم، فدخله سنة سبع، فنزلت الآية في ذلك، أي الشهر الحرام الذي غلبكم الله فيه وأدخلكم الحرم عليهم بالشهر الحرام الذي صدوكم فيه، ومعنى الْحُرُماتُ قِصاصٌ على هذا التأويل: أي حرمة الشهر وحرمة البلد وحرمة المحرمين حين صددتم بحرمة البلد والشهر والقطان حين دخلتم.
وقال الحسن بن أبي الحسن: نزلت الآية في أن الكفار سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هل يقاتل في الشهر الحرام؟ فأخبرهم أنه لا يقاتل فيه، فهموا بالهجوم عليه فيه وقتل من معه حين طمعوا أنه لا يدافع