أَحْسَنُ عَمَلًا أزهدكم في الدنيا. وقوله تعالى: «ليبلو» دال على فعل تقديره: فينظر أو فيعلم أيكم، وقال جماعة من المتأولين: الموت والحياة، عبارة عن الدنيا والآخرة، سمى هذه موتا من حيث إن فيها الموت، وسمى تلك الحياة من حيث لا موت فيها، فوصفهما بالمصدرين على تقدير حذف المضاف، كعدل وزور، وقدم الْمَوْتَ في اللفظ، لأنه متقدم في النفس هيبة وغلظة، وطِباقاً قال الزجاج: هو مصدر، وقيل: هو جمع طبقة أو جمع طبق مثل: رحبة ورحاب، أو جمل وجمال، والمعنى بعضها فوق بعض، وقال أبان بن ثعلب: سمعت أعرابيا يذم رجلا، فقال: «شره طباق، خيره غير باق» ، وما ذكر بعض المفسرين في السماوات من أن بعضها من ذهب وفضة وياقوت ونحو هذا ضعيف كله، ولم يثبت بذلك حديث، ولا يعلم أحد من البشر حقيقة لهذا. وقوله تعالى: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ معناه من قلة تناسب، ومن خروج عن إتقان، والأمر المتفاوت، هو الذي يجاوز الحدود التي توجب له زيادة أو نقصانا، وقرأ جمهور القراء: «من تفاوت» ، وقرأ حمزة والكسائي وابن مسعود وعلقمة والأسود وابن جبير وطلحة والأعمش: «من تفوت» وهما بمعنى واحد، وقال بعض العلماء: فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ يعني به السماوات فقط، وهي التي تتضمن اللفظ، وإياها أراد بقوله: هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ، وإياها أراد بقوله:
يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ الآية، قالوا وإلا ففي الأرض فطور، وقال آخرون: فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ يعني به جميع ما في خلق الله تعالى من الأشياء، فإنها لا تفاوت فيها ولا فطور، جارية على غير إتقان، ومتى كانت فطور لا تفسد الشيء المخلوق من حيث هو ذلك الشيء، بل هي إتقان فيه، فليست تلك المرادة في الآية، وقال منذر بن سعيد: أمر الله تعالى بالنظر إلى السماء وخلقها ثم أمر بالتكرير في النظر، وكذلك جميع المخلوقات متى نظرها ناظر، ليرى فيها خللا أو نقصا، فإن بصره ينقلب خاسِئاً حسيرا، ورجع البصر ترديده في الشيء المبصر. وقوله: كَرَّتَيْنِ معناه مرتين، ونصبه على المصدر، والخاسئ المبعد بذل عن شيء أراده وحرص عليه، ومنه الكلب الخاسئ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد:
«اخسأ فلن تعد وقدرك» ، ومنه قوله تعالى للكفار الحريصين على الخروج من جهنم: اخْسَؤُا فِيها المؤمنون: ١٠٨ ، وكذلك هنا البصر يحرص على روية فطور أو تفاوت فلا يجد ذلك، فينقلب خاسِئاً، والحسير العييّ الكالّ، ومنه قول الشاعر: الطويل
لهن الوجا لم كن عونا على النوى ... ولا زال منها طالح وحسير
قوله عز وجل:
سورة الملك (٦٧) : الآيات ٥ الى ٩
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩)
أخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا التي تلينا بمصابيح وهي النجوم، فإن كانت جميع النجوم في