انصرف فقال له قوم: ما رأيناك استسقيت يا أمير المؤمنين، فقال: والله لقد استنزلت المطر بمجادح السماء، ثم قرأ الآية، وسقى رضي الله عنه، وشكى رجل إلى الحسن الجرب فقال له: استغفر الله، وشكى إليه آخر الفقر، فقال: استغفر إليه، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدا، فقال له استغفر الله، فقيل له في ذلك، فنزع بهذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: والاستغفار الذي أحال عليه الحسن ليس هو عندي لفظ الاستغفار فقط، بل الإخلاص والصدق في الأعمال والأقوال، فكذلك كان استغفار عمر رضي الله عنه، وروي أن قوم نوح كانوا قد أصابهم قحوط وأزمة، فلذلك بدأهم في وعده بأمر المطر ثم ثنى بالأموال والبنين. قال قتادة:
لأنهم كانوا أهل حب للدنيا وتعظيم لأمرها فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبونها، و «مدرار» :
مفعال من الدر، كمذكار ومئناث، وهذا البناء لا تلحقه التأنيث.
قوله عز وجل:
سورة نوح (٧١) : الآيات ١٢ الى ٢٠
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦)
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠)
وعدهم بالأموال والبنين والجنات والأنهار لمكان حبهم للدنيا، واختلف الناس في معنى قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً فقال أبو عبيدة وغيره: تَرْجُونَ معناه تخافون، ومنه قول الشاعر أبو ذؤيب الهذلي : الطويل
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وحالفها في بيت نوب عواسل
قالوا والوقار: العظمة والسلطان، فكأن الكلام على هذا وعيد وتخويف، وقال بعض العلماء تَرْجُونَ على بابها في الرجاء وكأنه قال: ما لكم لا تجعلون رجاءكم لله وتلقاءه وقارا، ويكون على هذا التأويل منهم كأنه يقول: تؤدة منكم وتمكنا في النظر لأن الكفر مضمنه الخفة والطيش وركوب الرأس، وقوله تعالى: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً قال ابن عباس ومجاهد: هي إشارة إلى التدريج الذي للإنسان في بطن أمه من النطفة والعلقة والمضغة، وقال جماعة من أهل التأويل هي إشارة إلى العبرة في اختلاف ألوان الناس وخلقهم وخلقهم ومللهم، والأطوار: الأحوال المختلفة. ومنه قول النابغة: البسيط
فإن أفاق فقد طارت عمايته ... والمرء يخلق طورا بعد أطوار
وقرأ أَلَمْ تَرَوْا وقرأ «ألم يروا» على فعل الغائب وطِباقاً قيل هو مصدر أي مطابقة أي جعل كل واحدة طبقا للأخرى ونحو قول امرئ القيس: الرمل طبق الأرض تجري وتدر