قابلو أوامره والناهضون بها، وهذا على أن اللب لب التجارب وجودة النظر، وإن جعلناه لب التكليف فالنداء ب أُولِي الْأَلْبابِ عام لجميع المكلفين، واللب العقل، تقول العرب لببت بضم الباء الأولى ألب بضم اللام، حكاه سيبويه، وليس في الكلام فعل يفعل بضم العين فيهما غير هذه الكلمة.
وقوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ الآية، الجناح أعم من الإثم لأنه فيما يقتضي العقاب وفيما يقتضي العتاب والزجر، وتَبْتَغُوا معناه تطلبون بمحاولتكم.
وقال ابن عمر وابن عباس ومجاهد وعطاء: إن الآية نزلت لأن العرب تحرجت لما جاء الإسلام أن يحضروا أسواق الجاهلية كعكاظ وذي المجاز ومجنة، فأباح الله تعالى ذلك، أي لا درك في أن تتجروا وتطلبوا الربح.
وقال مجاهد: «كان بعض العرب لا يتجرون مذ يحرمون، فنزلت الآية في إباحة ذلك» .
وقال ابن عمر فيمن أكرى ليحج: «حجه تام ولا حرج عليه في ابتغاء الكراء» ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وابن الزبير: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج» .
وقوله تعالى: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ أجمع أهل العلم على تمام حج من وقف بعرفة بعد الزوال وأفاض نهارا قبل الليل إلا مالك بن أنس، فإنه قال: «لا بد أن يأخذ من الليل شيئا، وأما من وقف بعرفة بالليل فلا خلاف بين الأمة في تمام حجه» وأفاض القوم أو الجيش إذا اندفعوا جملة، ومنه أفاض الرجل في الكلام، ومنه فاض الإناء، وأفضته، ومنه المفيض في القداح، والتنوين في عرفات على حده في مسلمات، الكسرة مقابلة للياء في مسلمين والتنوين مقابل للنون، فإذا سميت به شخصا ترك، وهو معرف على حده قبل أن تسمي به، فإن كان عَرَفاتٍ اسما لتلك البقعة كلها فهو كما ذكرناه، وإن كان جمع عرفة فهو كمسلمات دون أن يسمى به، وحكى سيبويه كسر التاء من «عرفات» دون تنوين في حال النصب والخفض مع التعريف، وحكى الكوفيون فتحها في حال النصب والخفض تشبيها بتاء فاطمة وطلحة، وسميت تلك البقعة عَرَفاتٍ لأن إبراهيم عرفها حين رآها على ما وصفت له، قاله السدي.
وقال ابن عباس: «سميت بذلك لأن جبريل عليه السلام كان يقول لإبراهيم عليه السلام: هذا موضع كذا، فيقول قد عرفت» ، وقيل: سميت بذلك لأن آدم عرف بها حواء حين لقيها هناك.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماء البقاع، وعرفة هي نعمان الأراك، وفيها يقول الشاعر:
تزودت من نعمان عود أراكة ... لهند ولكن من يبلغه هندا؟
والْمَشْعَرِ الْحَرامِ جمع كله، وهو ما بين جبلي المزدلفة من حد مفضى مأزمي عرفة، قال ذلك ابن عباس وابن جبير والربيع وابن عمر ومجاهد، فهي كلها مشعر إلى بطن محسر، كما أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، بفتح الراء وضمها، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، والمزدلفة كلها مشعر، إلا وارتفعوا عن بطن محسر» وذكر هذا عبد الله بن الزبير في خطبته، وفي