يراها المسالمة يقول: أمرهم بالدخول في أن يعطوا الجزية، وكَافَّةً معناه جميعا، والمراد بالكافة الجماعة التي تكف مخالفها، وقيل: إن كَافَّةً نعت لمصدر محذوف، كأن الكلام: دخله كافة، فلما حذف المنعوت بقي النعت حالا، وتقدم القول في خُطُواتِ، والألف واللام في الشَّيْطانِ للجنس، وعَدُوٌّ يقع على الواحد والاثنين والجميع، ومُبِينٌ يحتمل أن يكون بمعنى أبان عداوته وأن يكون بمعنى بان في نفسه أنه عدو، لأن العرب تقول: بان الأمر وأبان بمعنى واحد.
قوله عز وجل:
سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٩ الى ٢١٢
فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢)
قرأ جمهور الناس «زللتم» بفتح اللام، وقرأ أبو السمال «زللتم» بكسرها، وأصل الزلل في القدم ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك، والمعنى ضللتم وعجتم عن الحق، والْبَيِّناتُ محمد وآياته ومعجزاته إذا كان الخطاب أولا لجماعة المؤمنين، وإذا كان الخطاب لأهل الكتابين، فالبينات ما ورد في شرائعهم من الإعلام بمحمد صلى الله عليه وسلم والتعريف به، وعَزِيزٌ صفة مقتضية أنه قادر عليكم لا تعجزونه، ولا تمتنعون منه، وحَكِيمٌ أي محكم فيما يعاقبكم به لزللكم.
وحكى النقاش أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن، فأقرأه الذي كان يعلمه: فاعلموا أن الله غفور رحيم، فقال كعب: إني لأستنكر أن يكون هكذا، ومر بهما رجل، فقال كعب: كيف تقرأ هذه الآية؟، فقرأ الرجل: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فقال كعب: هكذا ينبغي.
وقوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ الآية، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهَلْ من حروف الابتداء كأما، ويَنْظُرُونَ معناه ينتظرون. والمراد هؤلاء الذين يزلون، والظلل جمع ظلة وهي ما أظل من فوق، وقرأ قتادة والضحاك «في ظلال» ، وكذلك روى هارون بن حاتم عن أبي بكر عن عاصم هنا، وفي الحرفين في الزمر. وقال عكرمة: ظُلَلٍ طاقات، وقرأ الحسن ويزيد بن القعقاع وأبو حيوة «والملائكة» بالخفض عطفا على الْغَمامِ، وقرأ جمهور الناس بالرفع عطفا على اللَّهُ، والمعنى يأتيهم حكم الله وأمره ونهيه وعقابه إياهم، وذهب ابن جريج وغيره إلى أن هذا التوعد هو بما يقع في الدنيا.
وقال قوم: بل هو توعد بيوم القيامة، وقال قوم: قوله إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وعيد بيوم القيامة، وأما الملائكة فالوعيد هو بإتيانهم عند الموت، والْغَمامِ أرق السحاب وأصفاه وأحسنه، وهو الذي ظلل به بنو