(باب ذكر جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره)
كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال، وقد كتب الناس منه في صحف، وفي جريد، وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك، فلما استحرّ القتل بالقراء يوم اليمامة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن، مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبيّ وزيد وابن مسعود فيذهب، فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
وروي أن في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتى وجدها عند خزيمة بن ثابت. وحكى الطبري أنه إنما سقطت له في الجمع الأخير، والأول أصح. وهو الذي حكى البخاري إلا أنه قال فيه مع أبي خزيمة الأنصاري، وقال: إن في الجمع الثاني فقد زيد آية من سورة الأحزاب مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ الأحزاب: ٣٣ فوجدها مع خزيمة بن ثابت، وبقيت الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر بن الخطاب بعده، ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان، وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة كمصحف ابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ومصحف أبيّ وغير ذلك، وكان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها.
فلما قدم حذيفة من غزوة أرمينية حسبما قد ذكرناه انتدب عثمان لجمع المصحف وأمر زيد بن ثابت بجمعه، وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش: سعيد بن العاصي، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن الزبير، وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما.
وقال الطبري فيما روي: إنه قرن بزيد أبان بن سعيد بن العاصي وحده، وهذا ضعيف.
وقال الطبري أيضا: إن الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماما في هذا الجمع الأخير. وروي أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: «إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش» ، فاختلفوا في التابوه والتابوت، قرأه زيد بن ثابت بالهاء والقرشيون بالتاء، فأثبته بالتاء، وكتب المصحف على ما هو عليه غابر الدهر ونسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق، وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق أو تخرق، وتروى بالحاء غير منقوطة وتروى بالخاء على معنى: ثم تدفن. ورواية الحاء غير منقوطة أحسن.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد ومن كان معه مع مشاركة من عثمان رضي الله عنه في ذلك وقد ذكر ذلك مكي رحمه الله في تفسير سورة «براءة» . وذكر أن ترتيب الآيات