بمعنى ضر يضر وهي لغة فصيحة، وحكى الكسائي: ضار يضور، ولم يقرأ على هذه اللغة، ومن ضار يضير في كتاب الله لا ضَيْرَ الشعراء: ٥٠ ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
فقيل تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة من يأتها لا يضيرها
يصف مدينة، والمعنى فليس يضيرها، وفي هذا النفي المقدر بالفاء هو جواب الشرط، ومن اللفظ قول توبة بن الحمير:
وقال أناس لا يضيرك نأيها ... بلى كلّ ما شقّ النّفوس يضيرها
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: «لا يضرّكم» بضم الضاد والراء والتشديد في الراء، وهذا من ضر يضر، وروي عن حمزة مثل قراءة أبي عمرو، وأما إعراب هذه القراءة فجزم، وضمت الراء للالتقاء، وهو اختيار سيبويه في مثل هذا اتباعا لضمة الضاد، ويجوز فتح الراء وكسرها مع إرادة الجزم، فأما الكسر فلا أعرفها قراءة، وعبارة الزجّاج في هذا متجوز فيها، إذ يظهر من درج كلامه أنها قراءة، وأما فتح الراء من قوله «لا يضرّكم» فقرأ به عاصم فيما رواه أبو زيد عن المفضل عنه، ويجوز أيضا أن يكون إعراب قوله، «لا يضركم» ، رفعا إما على تقدير، فليس يضركم، على نحو تقدم في بيت أبي ذؤيب، وإما على نية التقدم على «وإن تصبروا» كما قال جرير بن عبد الله : الرجز
يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنّك إن يصرع أخوك تصرع
المراد أنك تصرع، وقرأ أبي بن كعب: «لا يضرركم» براءين وذلك على فك الإدغام وهي لغة أهل الحجاز وعليها قوله تعالى في الآية إِنْ تَمْسَسْكُمْ ولغة سائر العرب الإدغام في مثل هذا كله، و «الكيد» الاحتيال بالأباطيل وقوله تعالى: وَأَكِيدُ كَيْداً الطارق: ١٦ إنما هي تسمية العقوبة باسم الذنب، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وعيد، والمعنى محيط جزاؤه وعقابه وبالقدرة والسلطان، وقرأ الحسن: «بما تعملون» بالتاء، وهذا إما على توعد المؤمنين في اتخاذ هؤلاء بطانة، وإما على توعد هؤلاء المنافقين بتقدير: قل لهم يا محمد.
قوله تعالى:
سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢١ الى ١٢٢
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢)
ذهب الطبري رحمه الله إلى أن هذه الآية متصلة بمعنى ما تقدمها من الآيات والظاهر أنها استقبال أمر آخر، لأن تلك مقاولة في شأن منافقي اليهود، وهذا ابتداء عتب المؤمنين في أمر أحد، فالعامل في إِذْ فعل مضمر تقديره واذكر، وقال الحسن: هذا الغدو المذكور في هذه الآية «لتبويء المؤمنين» الذي كان في غزوة الأحزاب.
قال القاضي أبو محمد: وخالفه الناس، والجمهور على أن ذلك كان في غزوة أحد، وفيها نزلت هذه