ثم استفتح القول بذكر قدرة الله تعالى وملكه فقال: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآية، قال بعض المفسرين: الآية رد على الذين قالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ آل عمران: ١٨١ وقوله تعالى:
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. قال القاضي ابن الطيب وغيره: ظاهره العموم، ومعناه الخصوص لأن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على المحالات هو الموجود في مقتضى كلام العرب.
ثم دل على مواضع النظر والعبرة، حيث يقع الاستدلال على الصانع بوجود السماوات والأرضين والمخلوقات دال على العلم، ومحال أن يكون موجود عالم مريد غير حي، فثبت بالنظر في هذه الآية عظم الصفات وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ هو تعاقبهما، إذ جعلهما الله خلفة، ويدخل تحت لفظة الاختلاف كونهما يقصر هذا ويطول الآخر وبالعكس، ويدخل في ذلك اختلافهما بالنور والظلام، و «الآيات» :
العلامات والْأَلْبابِ في هذه الآية: هي ألباب التكليف لا ألباب التجربة، لأن كل من له علوم ضرورية يدركها فإنه يعلم ضرورة ما قلناه من صفات الله تعالى.
قوله تعالى:
سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩١ الى ١٩٢
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢)
الَّذِينَ في موضع خفض صفة لِأُولِي الْأَلْبابِ آل عمران: ١٩٠ ، وهذا وصف ظاهره استعمال التحميد والتهليل والتكبير ونحوه من ذكر الله، وأن يحصر القلب اللسان، وذلك من أعظم وجوه العبادات، والأحاديث في ذلك كثيرة، وابن آدم منتقل في هذه الثلاث الهيئات لا يخلو في غالب أمره منها فكأنها تحصر زمنه، وكذلك جرت عائشة رضي الله عنها إلى حصر الزمن في قولها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، فدخل في ذلك كونه على الخلاء وغير ذلك، وذهبت جماعة من المفسرين إلى أن قوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، إنما هو عبارة عن الصلاة، أي لا يضيعونها ففي حال العذر يصلونها قعودا وعلى جنوبهم، قال بعضهم وهي كقوله تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ النساء: ١٠٣ ، هذا تأويل من تأول هنالك قضيتم بمعنى أديتم، لأن بعض الناس يقول قضيتم هنالك بمعنى فرغتم منها، فإذا كانت هذه الآية في الصلاة ففقهها أن الإنسان يصلي قائما، فإن لم يستطيع فقاعدا، ظاهر المدونة متربعا، وروي عن مالك وبعض أصحابه أنه يصلي كما يجلس بين السجدتين، فإن لم يستطع القعود صلى على جنبه أو ظهره على التخيير، هذا مذهب المدونة، وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم يصلي على ظهره، فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيمن، ثم على الأيسر، وفي كتاب ابن المواز، يصلي على جنبه الأيمن، وإلا فعلى الأيسر، وإلا فعلى الظهر، وقال سحنون يصلي على الأيمن كما يجعل في لحده، وإلا فعلى ظهره، وإلا فعلى الأيسر، وحسن عطف قوله وَعَلى جُنُوبِهِمْ، على قوله: قِياماً وَقُعُوداً لأنه في معنى مضطجعين، ثم عطف على هذه العبادة التي هي ذكر الله باللسان أو الصلاة فرضها ومندوبها بعبادة أخرى