هو نهي معرض لطلب القرائن في التحريم أو الكراهية، واحتمال النصب أقوى، واختلف الناس في معنى الفاحشة هنا، فقال الحسن بن أبي الحسن: هو الزنا، وإذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى سنة، وترد إلى زوجها ما أخذت منه، وقال أبو قلابة: إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه، وقال السدي: إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن، وقال عطاء الخراساني: كان هذا الحكم ثم نسخ بالحدود، وهذا قول ضعيف، وقال ابن عباس رحمه الله: «الفاحشة» في هذه الآية البغض والنشوز، وقاله الضحاك وغيره، قالوا: فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو مذهب مالك، إلا أني لا أحفظ له نصا في معنى «الفاحشة» في هذه الآية، وقال قوم: «الفاحشة» البذاء باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا، وهذا في معنى النشوز، ومن أهل العلم من يجيز أخذ المال من الناشز على جهة الخلع، إلا أنه يرى ألا يتجاوز ما أعطاها ركونا إلى قوله تعالى: لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ وقال مالك وأصحابه وجماعة من أهل العلم: للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك.
قال القاضي أبو محمد: والزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى، وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال، وقرأ ابن مسعود: «إلا أن يفحشن وعاشروهن» .
قال القاضي أبو محمد: وهذا خلاف مفرط لمصحف الإمام، وكذلك ذكر أبو عمرو عن ابن عباس وعكرمة وأبيّ بن كعب، وفي هذا نظر، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر «مبينّة» و «آيات مبيّنات» بفتح الياء فيهما، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص والمفضل عن عاصم: «مبيّنة» ، و «مبيّنات» - بكسر الياء فيهما، وقرأ نافع وأبو عمرو: «مبيّنة» بالكسر، و «مبيّنات» بالفتح- وقرأ ابن عباس: «بفاحشة مبينة» بكسر الباء وسكون الياء، من أبان الشيء، وهذه القراءات كلها لغات فصيحة، يقال: بين الشيء وأبان: إذا ظهر، وبان الشيء وبينته، وقوله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أمر للجميع، إذ لكل أحد عشرة، زوجا كان أو وليا، ولكن المتلبس في الأغلب بهذا الأمر الأزواج، والعشرة المخالطة والممازجة، ومنه قول طرفة: الرمل
فلئن شطّت نواها مرّة ... لعلى عهد حبيب معتشر
جعل- الحبيب- جمعا كالخليط والفريق، يقال: عاشره معاشرة، وتعاشر القوم واعتشروا، وأرى اللفظة من أعشار الجزور، لأنها مقاسمة ومخالطة ومخالقة جميلة، فأمر الله تعالى الرجال بحسن صحبة النساء، وإلى هذا ينظر قول النبي صلى الله عليه وسلم: فاستمتع بها وفيها عوج، ثم أدب تعالى عباده بقوله: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ إلى آخر الآية، قال السدي: الخير الكثير في المرأة الولد، وقال نحوه ابن عباس.
قال القاضي أبو محمد: ومن فصاحة القرآن العموم الذي في لفظة شيء لأنه يطرد هذا النظر في كل ما يكرهه المرء مما يجمل الصبر عليه، فيحسن الصبر، إذ عاقبته إلى خير، إذا أريد به وجه الله.