الكمال مما لا يطيقه البشر، ففي هذا رفق بالعباد، لكن في هذا البعض الفرائض وما أمكن من المندوب إليه، ثم قيد الأمر بالإيمان إذ لا ينفع عمل دونه، وحكى الطبري عن قوم: أن مَنْ زائدة، وضعفه كما هو ضعيف، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي «يدخلون الجنة» بفتح الياء وضم الخاء، وكذلك حيث جاء من القرآن، وروي مثل هذا عن عاصم، وقرأ أبو عمرو في هذه الآية وفي مريم والملائكة وفي المؤمن «يدخلون» بضم الياء وفتح الخاء، وقرأ بفتح الياء من سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ غافر: ٦٠ و «النقير» النكتة التي في ظهر نواة التمرة ومنه تنبت، وروي عن عاصم «النقير» ما تنقره بأصبعك، وهذا كله مثال للحقير اليسير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهنا كمل الرد على أهل الأماني والإخبار بحقيقة الأمر.
ثم أخبر تعالى إخبارا موقفا على أنه لا أحسن دينا ممن أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أي أخلص مقصده وتوجهه. وأحسن في أعماله، واتبع الحنيفية التي هي مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، إمام العالم وقدوة أهل الأديان، ثم لما ذكر الله تعالى إبراهيم بأنه الذي يجب اتباعه، شرفه بذكر الخلة، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم سماه الله خليلا، إذ كان خلوصه وعبادته واجتهاده على الغاية التي يجري إليها المحب المبالغ، وكان لطف الله به ورحمته ونصرته له بحسب ذلك، وذهب قوم إلى أن إبراهيم سمي خليلا من الخلة بفتح الخاء، أي لأنه أنزل خلته وفاقته بالله تعالى، وقال قوم: سمي خليلا لأنه فيما روي في الحديث جاء من عند خليل كان له بمصر وقد حرمه الميرة التي قصد لها، فلما قرب من منزله ملأ غرارتيه رملا ليتأنس بذلك صبيته، فلما دخل منزله نام كلالا وهما، فقامت امرأته وفتحت الغرارة، فوجدت أحسن ما يكون من الحواري، فعجنت منه، فلما انتبه قال: ما هذا؟ قالت من الدقيق الذي سقت من عند خليلك المصري فقال: بل هو من عند خليلي الله تعالى، فسمي بذلك خليلا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله-: وفي هذا ضعف، ولا تقتضي هذه القصة أن يسمى بذلك اسما غالبا، وإنما هو شيء شرفه الله به كما شرف محمدا صلى الله عليه وسلم، فقد صح في كتاب مسلم وغيره: أن الله اتخذه خليلا.
قوله تعالى:
سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٧
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧)
ذكر- عز وجل- سعة ملكه وإحاطته بكل شيء عقب ذكر الدين وتبيين الجادة منه، ترغيبا في طاعة الله والانقطاع إليه.
وقوله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ الآية، نزلت بسبب سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن