جهل وغيره، وإلا فإذا فرضت أحدا من البشر عرف الله تعالى، فمحال أن تجده يكفر به تكبرا عليه، والعناد المجوز إنما يسوق إليه الاستكبار عن البشر، ومع تقارب المنازل في ظن المتكبر.
قوله تعالى:
سورة النساء (٤) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٥
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ الآية إشارة إلى محمد رسول الله، و «البرهان» : الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام، والمعنى: قد جاءكم مقترنا بمحمد برهان من الله تعالى على صحة ما يدعوكم إليه وفساد ما أنتم عليه من النحل، وقوله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً يعني القرآن فيه بيان لكل شيء، وهو الواعظ الزاجر، الناهي الآمر.
ثم وعد تبارك وتعالى المؤمنين بالله، المعتصمين به، والضمير في بِهِ يحتمل أن يعود على الله تعالى، ويحتمل أن يعود على القرآن الذي تضمنه قوله تعالى: نُوراً مُبِيناً و «الاعتصام» به التمسك بسببه وطلب النجاة والمنعة به، فهو يعصم كما تعصم المعاقل، وهذا قد فسره قول النبي صلى الله عليه وسلم: «القرآن حبل الله المتين من تمسك به عصم» ، و «الرحمة» و «الفضل» : الجنة وتنعيمها، وَيَهْدِيهِمْ، معناه: إلى الفضل، وهذه هداية طريق الجنان، كما قال تعالى: سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ محمد: ٥ لأن هداية الإرشاد قد تقدمت وتحصلت حين آمنوا بالله واعتصموا بكتابه، وصِراطاً نصب بإضمار فعل يدل عليه يَهْدِيهِمْ، تقديره فيعرفهم، ويحتمل أن ينتصب كالمفعول الثاني، إذ يَهْدِيهِمْ في معنى يعرفهم، ويحتمل أن ينتصب على ظرفية «ما» ويحتمل أن يكون حالا من الضمير في إِلَيْهِ وقيل: من فضل، والصراط: الطريق وقد تقدم تفسيره.
قوله تعالى:
سورة النساء (٤) : آية ١٧٦
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)
تقدم القول في تفسير الْكَلالَةِ في صدر السورة، وان المترجح أنها الوراثة التي خلت من أب وابن وابنة ولم يكن فيها عمود نسب لا عال ولا سافل، وبقي فيها من يتكلل، أي: يحيط من الجوانب كما يحيط الإكليل، وكان أمر الكلالة عند عمر بن الخطاب مشكلا فقال: ما راجعت رسول الله في شيء مراجعتي إياه في الكلالة، ولوددت أن رسول الله لم يمت حتى يبينها وقال على المنبر: ثلاث لو بينها رسول الله كان أحب إليّ من الدنيا: الجد والكلالة، والخلافة، وأبواب من الربا، وروي عنه رضي الله عنه أنه كتب فيها كتابا فمكث يستخير الله فيه ويقول. اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه، فلما طعن دعا بالكتاب فمحي، فلم يدر أحد ما كان فيه، وروى الأعمش عن إبراهيم وسائر شيوخه قال: ذكروا أن عمر رضي الله عنه قال: لأن أكون أعلم الكلالة أحب إليّ من جزية قصور الشام. وقال طارق بن شهاب: أخذ عمر بن الخطاب كتفا وجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: لأقضين في الكلالة قضاء تحدث به النساء في خدورها فخرجت عليهم حية من البيت فتفرقوا، فقال عمر: لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمه،