المتعاقدان قد ربطهما إليه الشرع مع غيرهم من المسلمين اللهم إلا أن يكون التعاهد على دفع نازلة من نوازل الظلامات فيلزم في الإسلام التعاهد على دفع ذلك والوفاء بذلك العهد، وأما عهد خاص لما عسى أن يقع يختص المتعاهدون بالنظر فيه والمنفعة كما كان في الجاهلية فلا يكون ذلك في الإسلام. قال الطبري: وذكر أن فرات بن حيان العجلي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الجاهلية، فقال لعلك تسأل عن حلف لجيم وتيم الله، قال نعم يا نبي الله، قال لا يزيده الإسلام إلا شدة. وقال ابن عباس رضي الله عنه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ معناه بما أحل الله وبما حرم وبما فرض وبما حد في جميع الأشياء، قاله مجاهد وغيره.
وقال محمد بن كعب القرظي وابن زيد وغيرهما «العقود» في الآية هي كل ما ربطه المرء على نفسه من بيع أو نكاح أو غيره.
وقال ابن زيد وعبد الله بن عبيدة: العقود خمس: عقدة الإيمان وعقدة النكاح وعقدة العهد وعقدة البيع وعقدة الحلف.
قال القاضي أبو محمد: وقد تنحصر إلى أقل من خمس، وقال ابن جريج قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قال: هي العقود التي أخذها الله على أهل الكتاب أن يعملوا بما جاءهم، وقال ابن شهاب قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وفي صدره: هذا بيان من الله ورسوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فكتب الآيات منها إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ المائدة: ٤ .
قال القاضي أبو محمد: وأصوب ما يقال في تفسير هذه الآية أن تعمم ألفاظها بغاية ما تتناول فيعمم لفظ المؤمنين جملة من مظهر الإيمان إن لم يبطنه وفي المؤمنين حقيقة ويعمم لفظ العقود في كل ربط بقول موافق للحق والشرع. ومن لفظ العقد قول الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
وقوله تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ خطاب لكل من التزم الإيمان على وجهه وكماله وكانت للعرب سنن في «الأنعام» من السائبة والبحيرة والحام وغير ذلك فنزلت هذه الآية رافعة لجميع ذلك، واختلف في معنى بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ فقال السدي والربيع وقتادة والضحاك: هي «الأنعام» كلها.
قال القاضي أبو محمد: كأنه قال أحلت لكم «الأنعام» فأضاف الجنس إلى أخص منه. وقال الحسن: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ الإبل والبقر والغنم. وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ الأجنة التي تخرج عند الذبح للأمهات فهي تؤكل دون ذكاة، وقال ابن عباس: هذه الأجنة من بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ، قال الطبري: وقال قوم بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ وحشها كالظباء وبقر الوحش والحمر وغير ذلك. وذكره غير الطبري عن الضحاك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول حسن، وذلك أن «الأنعام» هي الثمانية الأزواج وما انضاف إليها من سائر الحيوان يقال له أنعام بمجموعه معها وكان المفترس من الحيوان كالأسد وكل ذي ناب قد خرج عن