فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جمع الأيدي من حيث كان لكل سارق يمين واحدة وهي المعرضة للقطع في السرقة أولا فجاءت للسراق أيد وللسارقات أيد، فكأنه قال اقطعوا أيمان النوعين فالتثنية في الضمير إنما هي للنوعين. قال الزجاج عن بعض النحويين، إنما جعلت تثنية ما في الإنسان منه واحد جمعا كقوله: صَغَتْ قُلُوبُكُما التحريم: ٤ لأن أكثر أعضائه فيه منه اثنان فحمل ما كان فيه الواحد على مثال ذلك. قال أبو إسحاق: وحقيقة هذا الباب أن ما كان في الشيء منه واحد لم يثن ولفظ به على لفظ الجمع لأن الإضافة تبينه. فإذا قلت أشبعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين.
قال القاضي أبو محمد: كأنهم كرهوا اجتماع تثنيتين في كلمة.
واختلف العلماء في ترتيب القطع، فمذهب مالك رحمه الله وجمهور الناس أن تقطع اليمنى من يد السارق ثم إن عاد قطعت رجله اليسرى ثم إن عاد قطعت يده اليسرى ثم إن عاد قطعت رجله اليمنى، ثم إن سرق عزر وحبس، وقال علي بن أبي طالب والزهري وحماد بن أبي سليمان وأحمد بن حنبل: تقطع يده اليمنى ثم إن سرق قطعت رجله اليسرى ثم إن سرق عزر وحبس. وروي عن عطاء بن أبي رباح: لا تقطع في السرقة إلا اليد اليمنى فقط ثم إن سرق عزر وحبس.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تمسك بظاهر الآية، والقول شاذ فيلزم على ظاهر الآية أن تقطع اليد ثم اليد. ومذهب جمهور الفقهاء أن القطع في اليد من الرسغ وفي الرجل من المفصل، وروي عن علي بن أبي طالب أن القطع في اليد من الأصابع وفي الرجل من نصف القدم. وقوله تعالى: جَزاءً بِما كَسَبا نصبه على المصدر، وقال الزجاج مفعول من أجله. وكذلك: نَكالًا مِنَ اللَّهِ والنكال العذاب، والنكل القيد، وسائر معنى الآية بيّن وفيه بعض الإعراب حكاية.
قوله عز وجل:
سورة المائدة (٥) : الآيات ٣٩ الى ٤١
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٤١)
المعنى عند جمهور أهل العلم أن من تابَ من السرقة فندم على ما مضى وأقلع في المستأنف وأصلح برد الظلامة إن أمكنه ذلك وإلا فبإنفاقها في سبيل الله وَأَصْلَحَ أيضا في سائر أعماله وارتفع إلى فوق فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ويذهب عنه حكم السرقة فيما بينه وبين الله تعالى، وهو في المشيئة مرجو له الوعد وليس تسقط عنه التوبة حكم الدنيا من القطع إن اعترف أو شهد عليه، وقال مجاهد: التوبة والإصلاح هي أن يقام عليه الحد.