«وليستبين سبيل» برفع السبيل وتذكيرها، وعرب الحجاز تؤنث السبيل، وتميم وأهل نجد يذكرونها، وخص سبيل المجرمين لأنهم الذين أثاروا ما تقدم من الأقوال وهم أهم في هذا الموضع لأنها آيات رد عليهم، وأيضا فتبيين سبيلهم يتضمن بيان سبيل المؤمنين، وتأول ابن زيد أن قوله الْمُجْرِمِينَ يعني به الآمرون بطرد الضعفة.
قوله عز وجل:
سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٦ الى ٥٨
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨)
أمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يجاهرهم بالتبري مما هم فيه وأَنْ أَعْبُدَ هو بتأويل المصدر التقدير عن عبادة، ثم حذف الجار فتسلط الفعل ثم وضع أَنْ أَعْبُدَ موضع المصدر، وعبر عن الأصنام ب الَّذِينَ على زعم الكفار حين أنزلوها منزلة من يعقل، وتَدْعُونَ معناه تعبدون، ويحتمل أن يريد تدعون في أموركم وذلك من معنى العبادة واعتقادها آلهة وقرأ جمهور الناس «قد ضللت» بفتح اللام، قرأ يحيى بن وثاب وأبو عبد الرحمن السلمي وطلحة بن مصرف: «ضللت» بكسرها، وهما لغتان وإِذاً في هذا الموضع متوسطة وما بعدها معتمد على ما قبلها فهي غير عاملة إلا أنها تتضمن معنى الشرط فهي بتقدير إن فعلت ذلك ف أَهْواءَكُمْ جمع هوى وهو الإرادة المحبة في المرديات من الأمور هذا غالب استعمال الهوى وقد تقدم، وقوله تعالى: قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي الآية، هذه الآية تماد في إيضاح مباينته لهم، والمعنى قل إني على أمر بين فحذف الموصوف ثم دخلت هاء المبالغة كقوله عز وجل: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
القيامة: ١٤ ويصح أن تكون الهاء في بَيِّنَةٍ مجردة للتأنيث، ويكون بمعنى البيان، كما قال وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ الأنفال: ٤٢ والمراد بالآية أني أيها المكذبون في اعتقادي ويقيني وما حصل في نفسي من العلم على بينة من ربي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ الضمير في بِهِ عائد على بين في تقدير هاء المبالغة أو على البيان التي هي بَيِّنَةٍ بمعناه في التأويل الآخر، أو على الرب، وقيل على القرآن وهو وإن لم يتقدم له ذكر جلي فإنه بعض البيان الذي منه حصل الاعتقاد واليقين للنبي عليه السلام، فيصح عود الضمير عليه.
قال القاضي أبو محمد: وللنبي عليه السلام أمور أخر غير القرآن وقع له العلم أيضا من جهتها كتكليم الحجارة له ورؤيته للملك قبل الوحي وغير ذلك، وقال بعض المفسرين الضمير في بِهِ عائد على ما والمراد بها الآيات المقترحة على ما قال بعض المفسرين، وقيل المراد بها العذاب، وهذا يترجح بوجهين: أحدهما من جهة المعنى وذلك أن قوله وَكَذَّبْتُمْ بِهِ يتضمن أنكم واقعتم ما تستوجبون به العذاب إلا أنه ليس عندي، والآخر من جهة اللفظ وهو الاستعجال الذي لم يأت في القرآن استعجالهم إلا