لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ
في موضع الحال، ومِنْ لابتداء الغاية ويجوز أن تكون زائدة ودُونِ ظرف مكان وهي لفظة تقال باشتراك، وهي في هذه الآية الدالة على زوال من أضيفت إليه من نازلة القول كما في المثل:
وأمر دون عبيدة الودم والولي والشفيع هما طريقا الحماية والغوث في جميع الأمور وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ أي وإن تعط كل فدية، وإن عظمت فتجعلها عدلا لها لا يقبل منها، وحكى الطبري عن قائل ان المعنى وإن تعدل من العدل المضاد للجور، ورد عليه وضعّفه بالإجماع على أن توبة الكافر مقبولة.
قال القاضي أبو محمد: ولا يلزم هذا الرد لأن الأمر إنما هو يوم القيامة ولا تقبل فيه توبة ولا عمل، والقول نص لأبي عبيدة، و «العدل» في اللغة مماثل الشيء من غير جنسه، وقبل: العدل بالكسر المثل والعدل بالفتح القيمة، وأُولئِكَ إشارة إلى الجنس المدلول عليه بقوله تُبْسَلَ نَفْسٌ، وأُبْسِلُوا معناه أسلموا بما اجترحوه من الكفر، و «الحميم» الماء الحار، ومنه الحمام والحمة ومنه قول أبي ذؤيب: الكامل
إلا الحميم فإنّه يتبصّع
«وأليم» فعيل بمعنى مفعل أي مؤلم.
قوله عز وجل:
سورة الأنعام (٦) : آية ٧١
قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١)
المعنى: قل في احتجاجك: أنطيع رأيكم في أن ندعو من دون الله، والدعاء يعم العبادة وغيرها لأن من جعل شيئا موضع دعائه فإياه يعبد وعليه يتكل ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا يعني الأصنام، إذ هي جمادات حجارة وخشب ونحوه، وضرر الأصنام في الدين لا يفهمه الكفار فلذلك قال: وَلا يَضُرُّنا إنما الضرر الذي يفهمونه من نزول المكاره الدنياوية، وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا تشبيه، وذلك أن المردود على العقب هو أن يكون الإنسان يمشي قدما وهي المشية الجيدة فيرد يمشي القهقرى، وهي المشية الدنية فاستعمل المثل بها فيمن رجع من خير إلى شر ووقعت في هذه الآية في تمثيل الراجع من الهدى إلى عبادة الأصنام، وهَدانَا بمعنى أرشدنا، قال الطبري وغيره الرد على العقب يستعمل فيمن أمل أمرا فخاب أمله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول قلق وقوله تعالى: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ الآية الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف تقديره ردا كرد الذي واسْتَهْوَتْهُ استفعلته بمعنى استدعت هواه وأمالته، قال أبو عبيدة: ويحتمل هويه وهو جده وركوب رأسه في النزوع إليهم، والهوى من هوى يهوي يستعمل في السقوط من علو إلى أسفل، ومنه قول الشاعر:
هوى أبني من دار أشرف ... فزلّت رجله ويده