عن الطريق الواضح أكثر ليرد هذا الزائغ فهو يخاف عليه أن يضل.
قال القاضي أبو محمد: وهذا انتزاع حسن جدا، وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ الآية، من قال إن «الأصحاب» هم من الشياطين المستهزئين وتأول إلى الهدى بزعمهم قال: إن قوله: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى رد عليهم في زعمهم فليس ما زعموه صحيحا وليس بهدى بل هو نفسه كفر وضلال، وإنما الهدى هدى الله وهو الإيمان، ومن قال: إن «الأصحاب» هم على الطريق المدعو إليها وإن المؤمنين الداعين للمرتدين شبهوا بهم وإن الهدى هو هدى على حقيقته يجيء على قوله: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ بمعنى أن دعاء الأصحاب وإن كان إلى هدى فليس بنفس دعائهم تقع الهداية وإنما يهتدي بذلك الدعاء من هداه الله تعالى بهداه، وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ اللام لام كي ومعها أن مقدرة ويقدر مفعول ل أُمِرْنا مضمر تقديره وأمرنا بالإخلاص أو بالإيمان ونحو هذا، فتقدير الجملة كلها وأمرنا بالإخلاص لأن نسلم، ومذهب سيبويه في هذه أن لِنُسْلِمَ هو موضع المفعول وأن قولك: أمرت لأقوم وأمرت أن أقوم يجريان سواء ومثله قول الشاعر: الطويل
أردت لأنسى ذكرها
إلى غير ذلك من الأمثلة، «ونسلم» يعم الدين والاستسلام.
قوله عز وجل:
سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٢ الى ٧٣
وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣)
وَأَنْ أَقِيمُوا يتجه أن يكون بتأويل وإقامة فهو عطف على المفعول المقدر في أُمِرْنا الأنعام: ٧١ ، وقيل بل هو معطوف على قوله لِنُسْلِمَ الأنعام: ٧١ تقديره لأن نسلم وَأَنْ أَقِيمُوا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول الزجاج واللفظ يمانعه وذلك أن قوله «لأن نسلم» معرب، وقوله أَنْ أَقِيمُوا مبني وعطف المبني على المعرب لا يجوز لأن العطف يقتضي التشريك في العامل اللهم إلا أن تجعل العطف في «أن» وحدها وذلك قلق وإنما يتخرج على أن يقدر قوله وَأَنْ أَقِيمُوا بمعنى لنقيم ثم خرجت بلفظ الأمر لما في ذلك من جزالة اللفظ فجاز العطف على أن يلغى حكم اللفظ ويعول على المعنى، ويشبه هذا من جهة «ما» ما حكاه يونس عن العرب: أدخلوا الأول فالأول بالنصب، وقال الزجّاج أيضا: يحتمل أن يكون وَأَنْ أَقِيمُوا معطوفا على ائْتِنا الأنعام: ٧١ .
قال القاضي أبو محمد: وفيه بعد، والضمير في قوله وَاتَّقُوهُ عائد على رب العالمين وَهُوَ ابتداء وما بعده وهو لفظ خبر يتضمن التنبيه والتخويف، وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الآية، خَلَقَ ابتدع وأخرج من العدم إلى الوجود، وبِالْحَقِّ، أي لم يخلقها باطلا بغير معنى بل لمعان مفيدة ولحقائق بينة منها ما يحسه البشر من الاستدلال بها على الصانع ونزول الأرزاق وغير ذلك، وقيل المعنى بأن حق له