وإذا لم يصيبوا في نصيب شركائهم شيئا قالوا لا بد للآلهة من نفقة فيجعلون نصيب الله تعالى في ذلك.
قال هذا المعنى ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم أنهم كانوا يفعلون هذا ونحوه من الفعل وكذلك في الأنعام وكانوا إذا أصابتهم السنة أكلوا نصيب الله وتحاموا نصيب شركائهم، وقوله تعالى: فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ الآية قال جمهور المتأولين إن المراد بقوله فَلا يَصِلُ وقوله يَصِلُ ما قدمنا ذكره من حمايتهم نصيب آلهتهم في هبوب الريح وغير ذلك، وقال ابن زيد إنما ذلك في أنهم كانوا إذا ذبحوا لله ذكروا آلهتهم على ذلك الذبح وإذا ذبحوا لآلهتهم لم يذكروا الله، فكأنه قال «فلا يصل» إلى ذكر الله وقال فهو «يصل» إلى ذكر شركائهم، وما في موضع رفع كأنه قال ساء الذي يحكمون، ولا يتجه عندي أن يجري هنا ساءَ مجرى نعم وبئس لأن المفسر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق من النحاة، وإنما اتجه أن تجري مجرى بئس في قوله ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الأعراف: ١٧٧ . لأن المفسر ظاهر في الكلام.
قوله عز وجل:
سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٧
وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧)
«الكثير» في هذه الآية يراد به من كان يئد من مشركي العرب، و «الشركاء» هاهنا الشياطين الآمرون بذلك المزينون له والحاملون عليه أيضا من بني آدم الناقلين له عصرا بعد عصر إذ كلهم مشتركون في قبح هذا الفعل وتباعته في الآخرة، ومقصد هذه الآية الذم للوأد والإنحاء على فعلته، واختلفت القراءة فقرأت الجماعة سوى ابن عامر «وكذلك زين» بفتح الزاي «قتل» بالنصب «أولادهم» بكسر الدال «شركاؤهم» ، وهذه أبين قراءة، وحكى سيبويه أنه قرأت فرقة «وكذلك زين» بضم الزاي «قتل أولادهم» بكسر الدال «شركاؤهم» بالرفع.
قال القاضي أبو محمد: وهي قراءة أبي عبد الرحمن السلمي والحسن وأبي عبد الملك قاضي الجند صاحب ابن عامر، كأنه قال: زينه شركاؤهم قال سيبويه: وهذا كما قال الشاعر: الطويل
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما يطيح الطوائح
كأنه قال يبكيه ضارع لخصومة، وأجاز قطرب أن يكون الشركاء في هذه القراءة ارتفعوا بالقتل كأن المصدر أضيف إلى المفعول، ثم ذكر بعده الفاعل كأنه قال إن قتل أولادهم شركاؤهم كما تقول حبب إليّ ركوب الفرس زيد أي أن ركب الفرس زيد.
قال القاضي أبو محمد: والفصيح إذا أضيف مصدر إلى مفعول أن لا يذكر الفاعل، وأيضا فالجمهور في هذه الآية على أن الشركاء مزينون لا قاتلون، والتوجيه الذي ذكر سيبويه هو الصحيح، ومنه قوله عز وجل على قراءة من قرأ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ النور: ٣٦ بفتح الباء المشددة أي «يسبّح رجال» ، وقرأ ابن عامر «وكذلك زين» بضم الزاي «قتل» بالرفع «أولادهم» بنصب الدال «شركائهم» بخفض