قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يريد بقوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ جميع ما يقطع بوقوعه من أشراط الساعة ثم خصص بعد ذلك بقوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ الآية التي ترفع التوبة معها، وقد بينت الأحاديث أنها طلوع الشمس من مغربها، وقرأ زهير الفرقبي «يوم يأتي» بالرفع وهو على الابتداء والخبر في الجملة التي هي «لا ينفع» بتاء، وأنث الإيمان لما أضيف إلى مؤنث. أو لما نزل منزلة التوبة، وقال جمهور أهل التأويل كما تقدم الآية التي لا تنفع التوبة من الشرك أو من المعاصي بعدها، هي طلوع الشمس من المغرب.
وروي عن ابن مسعود أنها إحدى ثلاث، إما طلوع الشمس من مغربها، وإما خروج الدابة، وإما خروج يأجوج ومأجوج.
قال أبو محمد: وهذا فيه نظر لأن الأحاديث ترده وتخصص الشمس.
وروي في هذا الحديث أن الشمس تجري كل يوم حتى تسجد تحت العرش وتستأذن فيؤذن لها في طلوع المشرق، وحتى إذا أراد الله عز وجل سد باب التوبة أمرها بالطلوع من مغربها، قال ابن مسعود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتطلع هي والقمر كالبعيرين القرينين، ويقوي النظر أيضا أن الغرغرة هي الآية التي ترفع معها التوبة، وقوله أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً يريد جميع أعمال البر فرضها ونفلها، وهذا الفصل هو للعصاة المؤمنين كما قوله لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ هو للكفار، والآية المشار إليها تقطع توبة الصنفين، وقرأ أبو هريرة «أو كسبت في إيمانها صالحا» ، وقوله تعالى: قُلِ انْتَظِرُوا الآية تتضمن الوعيد أي فسترون من يحق كلامه ويتضح ما أخبر به.
قوله تعالى:
سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٩ الى ١٦٠
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠)
قال ابن عباس والصحاب وقتادة: المراد اليهود والنصارى أي فرقوا دين إبراهيم الحنيفية، وأضيف الدين إليهم من حيث كان ينبغي أن يلتزموه، إذ هو دين الله الذي ألزمه العباد، فهو دين جميع الناس بهذا الوجه ووصفهم «بالشيع» إذ كل طائفة منهم لها فرق واختلافات، ففي الآية حض لأمة محمد على الائتلاف وقلة الاختلاف، وقال أبو الأحوص وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: الآية في أهل البدع والأهواء والفتن ومن جرى مجراهم من أمة محمد، أي فرقوا دين الإسلام، وقرأ علي بن أبي طالب وحمزة والكسائي «فارقوا» . ومعناه تركوا، ثم بيّن قوله وَكانُوا شِيَعاً أنهم فرقوه أيضا، والشيع جمع شيعة وهي الفرقة على مقصد ما يتشايعون عليه، وقوله لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ أي لا تشفع لهم ولا لهم بك تعلق، وهذا على الإطلاق في الكفار وعلى جهة المبالغة في العصاة والمتنطعين في الشرع، ولأنهم لهم حظ من تفريق الدين، وقوله إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ إلى آخر الآية وعيد محض، والقرينة المتقدمة تقتضي أن أمرهم إلى الله فيه وعيد، كما أن القرينة في قوله فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ