قاله السدي وابن زيد، وتدخل مع ذلك أيضا البحيرة والسائبة ونحو ذلك، وقد نص على ذلك قتادة وقال إن البحيرة وما جانسها هي المراد بقوله تعالى: وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ، وقوله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا معناه ولا تفرطوا، قال أهل التأويل: يريد ولا تسرفوا بأن تحرموا على أنفسكم ما لم يحرم الله عز وجل، قال ابن عباس: ليس في الحلال سرف إنما السرف في ارتكاب المعاصي.
قال القاضي أبو محمد: يريد في الحلال القصد، واللفظ يقتضي النهي عن السرف مطلقا فمن تلبس بفعل حرام فتأول تلبسه به حصل من المسرفين وتوجه النهي عليه، ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد وأوساط الأمور فحسن، وإن أفرط حتى دخل الضرر حصل أيضا من المسرفين وتوجه النهي عليه، مثل ذلك أن يفرط الإنسان في شراء ثياب ونحوها ويستنفد في ذلك جل ماله أو يعطي ماله أجمع ويكابد بعياله الفقر بعد ذلك ونحوه، فالله عز وجل لا يحب شيئا من هذا، وقد نهت الشريعة عنه، ولذلك وقف النبي عليه السلام بالموصي عند الثلث، وقال بعض العلماء: لو حط الناس إلى الربع لقول النبي عليه السلام «والثلث كثير» ، وقد قال ابن عباس في هذه الآية، أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة.
وأمر الله عز وجل نبيه عليه السلام أن يسألهم عمن حرم ما أحل الله على جهة التوبيخ والتقرير وليس يقتضي هذا السؤال جوابا، وإنما المراد منه التوقيف على سوء الفعل، وذكر بعض الناس أن السؤال والجواب جاء في هذه الآية من جهة واحدة وتخيل قوله: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا جوابا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا نظر فاسد ليس ذلك بجواب السؤال ولا يقتضي هذا النوع من الأسئلة جوابا، وزِينَةَ اللَّهِ هي ما حسنته الشريعة وقررته. وزينة الدنيا هي كل ما اقتضته الشهوة وطلب العلو في الأرض كالمال والبنين وهي الزينة التي فضل الشرع عليها. وقوله: وَالطَّيِّباتِ قال الجمهور يريد المحللات. وقال الشافعي وغيره يريد المستلذات.
قال القاضي أبو محمد: إلا أن ذلك ولا بد يشترط فيه أن يكون من الحلال، وإنما قاد الشافعي إلى هذا تحريمه المستقذرات كالوزغ وغيرها فإنه يقول هي من الخبائث محرمة.
وقوله تعالى: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ.
قرأ نافع وحده «خالصة» بالرفع والباقون «خالصة» بالنصب، والآية تتأول على معنيين أحدهما أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات في الدنيا هي خالصة يوم القيامة للمؤمنين في الدنيا، وخلوصها أنهم لا يعاقبون عليها ولا يعذبون، فقوله فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق ب آمَنُوا. وإلى هذا يشير تفسير سعيد بن جبير. فإنه قال قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها، وقوله «خالصة» بالرفع خبر هي، ولِلَّذِينَ تبيين للخلوص، ويصح أن يكون خالصة خبرا بعد خبر، ويَوْمَ الْقِيامَةِ يريد به وقت الحساب، وقرأ قتادة والكسائي «قل هي لمن آمن في الحياة الدنيا» ، والمعنى الثاني هو أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا وإن كانت أيضا لغيرهم معهم وهي يوم القيامة خالصة لهم أي لا يشركهم أحد في استعمالها في الآخرة، وهذا قول ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة والسدي وابن جريج وابن زيد، فقوله: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا على هذا