وهذا كُلُّه على سَبيلِ السَّعَةِ، والذي مَضَى بهِ العَمَلُ وأَخَذَ به مَالِكٌ ألَّا يَزِيدَ المُصَلِّي على أُمِّ القُرْآنِ وسُورَةٍ في الأُوّليِتينِ، وعلى أُمِّ القُرْآنِ في الأُخْرَتَيْنِ، ومَنْ فَعَلَ كَفِعْلِ أَبي بَكْرٍ وابنِ عُمَرَ لمْ تَفْسُدْ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ.
قالَ أبو مُحَمَّدٍ: إنما قَرأَ أَبو بَكْرٍ في الرَّكْعَةِ الثالِثَةِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ...} آل عمران: ٨ الآيةَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَامَ مَقَامَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي كَانَ يَأْتِيه الوَحِيُّ مِنَ الله تَبَاركَ وتَعَالَى في كُلِّ ما عُرِضَ لَهُ،
فسألَ أبو بَكْرٍ رَبَّهُ أن لا يُزِغْ قَلْبَهُ عَنِ الإسْلَامِ بعدَ إذ هَدَاهُ إليه اللهُ، وأنْ يُعِينَهُ على ما وَلَّاهُ إيَّاهُ، ولم يَرَهُ مَالِكٌ للنَّاسِ أنْ يَلْتَزِمُوا هذَا في صَلَاةِ المَغْرِبِ فَيَجْعَلُونَهُ مِنْ حُدُودِ الصَّلَاةِ، إذ لم يَفْعَلْهُ النبيُّ (١).
قالَ أبو المُطَرِّفِ: وروَى ابنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ بأن عُمَرَ (٢) صلَّى المَغْرِبَ فلمْ يَقْرأْ فيها، فَذُكِرَ ذَلِكَ له، قالَ: فَكَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ والسُّجُودُ؟ قِيلَ حَسَنٌ، فقالَ: لا بَأْسَ (٣).
قالَ مَالِكٌ: وَليسَ على هذا العَمَلُ، لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: (كُلُّ صَلَاةٍ لم يُقْرأْ
(١) وقال ابن عبد البر في الإستذكار ٢/ ٨٦: إنما هو ضرب من القنوت والدعاء، لما كان فيه من أمر أهل الردّة.
(٢) جاء في الأصل: (ابن عمر) وهذا خطأ فيما أرى، والصواب (عمر) كما سيأتي في نهاية الأثر.
(٣) لم أجده في موطأ ابن بكير في باب القراءة في المغرب (الورقة ١٤ أ) ولعله جاء في موضع آخر قد خفي علي، أو سقط من النسخة التي بين يديّ، وهي المصورة من مكتبة أحمد الثالث باستنبول. ورواه البيهقي في السنن ٢/ ٣٤٧، و ٣٨١، بإسناده إلى ابن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عمر بن الخطاب كان يصلي ... إلخ، ورواه عبد الرزاق ٢/ ١٢٢، وابن أبي شيبة ١/ ٣٩٦، بإسنادهما إلى التيمي به، وقال ابن عبد البر في التمهيد ٢٠/ ١٩٣: هذا حديث منكر منقطع الإسناد .... وقد روي عن عمر من وجوه متصلة أنه أعاد تلك الصلاة ... إلخ.