قالَ عِيسَى: وكَذَلِكَ لَيْسَ العَمَلُ على قَوْلهِ فِي أَهْلِ الذّمَّةِ: (أَنْ (١) يُؤْخَذَ مِنْهُم مَرَّةً وَاحِدَةً في العَامِ نِصْفُ العُشْرِ، ويُكْتُبُ (٢) في ذَلِكَ برَاءاتٌ إلى رَأسِ الحَوْلِ).
قالَ: وُيرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذا الكِتَابِ، وأَمَرَ بِوَضْعِ المَكْسِ (٣)، وقَالَ: (لَيْسَ بالمَكْسِ، ولَكِنَّهُ البَخْسُ، قَالَ اللهُ: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} الأعراف: ٨٥، ومَنْ أتاكَ بِزَكَاةِ مَالِه فَاقْبَلْهَا، ومَنْ مَنَعَهَا فَاللهُ حَسْبُهُ) (٤).
قالَ عِيسَى: وَقَدْ أَخْبَرَني ابنُ القَاسِمِ وابنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أنَّهُ قالَ: يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ العُشْرُ مِرَارَاً في السَّنَةِ كُلّها إذا اتَّجَرُوا في غَيْرِ بِلاَدِهم، كَانَ المَالُ قَلِيلاً أَو كَثيرَاً، ولَا يُكْتَبُ مِنْهُم بَرَاءَةٌ إلى السَّنَةِ المُقْبلَةِ، ولا يُؤْخَذُ مِنْهُم شَيءٌ حتَّى يَبِيعُوا سِلْعَتَهُم (٥).
قالَ مَالِكٌ: ولَو أَرَادُوا الإنْصِرَافَ بهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُم إذا كَسَدتْ أَسْوَاقُهَا وَهُم مُخَالِفُونَ للعَدُوِّ، يَنْزِلُونَ بِلاَدَ المُسْلِمينَ بِصلْحٍ ومَعَهُم التِجَارَةُ، فَهُؤلاَءِ بَاعُوا أَو لَمْ يَبِيعُوا يُؤْخَذُ مِنْهُم مَا صُولحُوا عَلَيْهِ.
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذّمَّةِ العُشْرُ إذا اخْتَلَفُوا بِتِجَارَةٍ إلى غَيْرِ بِلاَدِهِم، لأَنَّهُم لَمْ يُقَرُّوا على الجِزْيَةِ لِيَتَصَرُّفوا في بِلاَدِ المُسْلِمينَ، وإذ بالإمَامِ
(١) في الأصل: (أن لا يؤخذ) وأرى ان ذلك خطأ، والصواب حذف (لا)، وينظر: المدونة ٢/ ١٥٩.
(٢) جاء في الأصل: (وكلهم) ولم أجد لها معنى، وما أثبته هو المتوافق مع ما جاء في الإستذكار ٣/ ٤٤٦.
(٣) المَكْس -بفتح الميمـ بمعنى الجِبَاية، وصاحب المكس: هو الذي يعشر أموال المسلمين، ويأخذ من التجار وغيرهم مكسا باسم العُشر، ينظر: عون المعبود ٨/ ١١١.
(٤) رواه سحنون في المدونة ٢/ ١٥٥.
(٥) نقله ابن حزم في المحلى ٦/ ١١٤، وابن عبد البر في الكافي ١/ ٢١٨.