بعدَ الجَامِكيّةِ (١) مَا تَجِبُ فيهِ الزَّكَاةُ، فإنَّهُ لا يُزَكِّى عليهِ ذَلِكَ البَاقِي على سَنَّةِ الزَّكَاةِ.
قَوْلُ مَالِكٍ: إذا كَانَ ثَمَرُ الحَائِطِ كُلِّه جَيِّدا أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ، وكَذَلِكَ إنْ كَانَ رَدِيئًا كُلُّهُ أُخِذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ، وإنْ كَانَ أَصْنَافًا أُخِذَ مِنْ وَسَطِه، والثَّمَرُ مُخَالِفٌ للمَاشِيَةِ التي لا يُؤْخَذُ مِنها إلَّا الأَسْنَانُ المَعْلُومَةُ الجَذَعَةُ والثَّنِيَّةُ.
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا جَعَلَ مَالَكٌ القِطْنيّهَ (٢) صِنْفَا وَاحِدًا في الزَّكَاةِ مِنْ أَجْلِ تَقَارُبِ مَنَافِعِها، وأَنَّها كُلُّها إدَامٌ يُؤْتَدَمُ بها، وجَعَلَها في البِيُوعِ أَصْنَافاً مُخْتَلِفَةً، لاخْتِلاَفِ أَعْرَاضِ النَّاسِ فيها.
ولمْ يُوجِبْ مَالِكٌ الزَّكَاةَ في التِّينِ، لأَنَّهُم كَانُوا لا يَعْرِفُونَهُ بالمَدِينَةِ، ولأَنَّهُ يَأْتِي بَطْنًا بعدَ بَطْنٍ (٣).
قالَ ابنُ أَبي زَيْدٍ: ولمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ الزَّكَاةَ في الفَاكِهَةِ لأنَّها لَيْسَتْ مِنَ الأَقْوَاتِ التي نَصَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عليها.
ومَنَعَ مَالِكٌ مِنْ بَيع الفَاكِهَةِ مُتَفَاضِلاً مِنْ صِنْفِ وَاحِدٍ، لأنَّها تَجْرِي مَجْرَى المَأْكُولاَتِ المُدَّخَرَاتِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ رَطْبِ الفَاكِهَةِ كالبَطِّيخِ والقِثَّاءِ والخُوخِ والرُّمّانِ وشِبهُ ذَلِكَ، فإِنَّها تُبَاعُ مُتَفَاضِلاً يَدَاً بِيدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، لأنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الفَاكِهَةِ المُدَّخَرةِ، ولا هِي أَصْلٌ مُعَاشٍ، وبهذا قالَ أَهْلُ المَدِينةِ.
* * *
(١) جاء في الأصل: (الجاميكة) وهو خطأ، والجامكيّة: هو الراتب، وهو اسم فارسي، مركب من (جامه) أي قيمة، ومن (كي) وهي أداة النسبة، ينظر: حاشية سير أعلام النبلاء ١٨/ ٤٦١.
(٢) القطنية -بكسر القاف أو ضمها وسكون الطاء- جمعها قطاني، وهي البقول التي تصلح للاقتيات والادخار، مثل العدس والحمص واللوبيا والباقلاء ونحوها، وسميت بالقطنية لأنها تقطن بالمحل ولا تفسد بالتأخير، ينظر: النهاية ٤/ ٨٥.
(٣) أي يطيب شيئا بعد شيء، ينظر: التمهيد ٢/ ١٩٨.